نص الحديث
قال الامام الجواد (عليه السَّلام): توسد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوي.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي علي جملة استعارات، منها عبارة (توسد الصبر). فماذا نستلهم منها؟
يلاحظ ان الامام (عليه السَّلام) خلع علي ظاهرة (الصبر) طابع (التوسد) اي: الاتكاء علي الوسادة او الجلوس عليهما، من حيث الدلالة يشير الحديث الي ظاهرة (الصبر)، ولكنه يرتكن الي الاستعارة من حيث البلاغة. فما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
بلاغة الحديث
في تصورنا ان هذه الاستعارة من الصياغات الفائقة المتسمة بالعمق وبالطرافة وبالاثارة، فالصبر هو عملية (تأجيل) لحاجات الانسان أو ضبط للنفس حيال الاحباط، وهذا يتطلب عدم الجزع، اي: الهدوء واصطناع الراحة وعدم التوتر ومما لا ترديد فيه ان الانسان عندما يتوكأ علي الوسادة او يجلس عليها فهذا يعني انه في موقف يقترن بالراحة وبالهدوء وليس بالتوتر او المرارة او الاذي من هنا نتبين جمالية الاستعارة المذكور حينما تقول: علي الانسان ان يوفر له الراحة والهدوء بدلاً من الجزع والتوتر، ويظل التوكؤ علي الوسادة او الجلوس عليها تعبيراً عن الهدوء والراحة المشار اليهما، كما هو واضح.
ونتجه الي العبارة الثانية وهي (اعتنق الفقر)، هنا نتساءل، لماذا عبر عن تقبل الفقر بعبارة (اعتنق) ولم يقل (توسد) مثلاً؟
كما لاحظنا بالنسبة الي (الصبر)، في تصورنا ان استعارة (الاعتناق) من خلال خلعها علي (الفقر) تظل بدورها مقترنة بما هو عميق وطريف ومثير. كيف ذلك؟
ان الفقر هو حالة من الحاجة الي الاشباع فالمال هو الوسيلة لإشباع حاجات الانسان من مطعم وملبس ومسكن ومركب. بينما الفقر هو حرمان من الاشباعات المذكورة. من هنا اذا (عانق) الانسان (الفقر) فهذا يعني انه (محب) له وليس الكاره له حيث ان (المعانقة) رمز للتقبيل وللحب. فاذا احب الانسان الفقر حينئذ ينطفئ لديه بريق المال، حيث يزهره بالحياة الدنيا، ويحتجزه عن الطمع، ويعفيه من مسؤولية انفاقه، الواجب والمندوب.
اذن الفقر واعتناقه يظل احب الي الانسان الملتزم، لانه معانقة او محبة لشيء يحقق الزهد، والقناعة، وعدم الطمع، ومن ثم عدم التشبث او اللهث وراء الاشباع الذي لا حدود له إلا حفنة من التراب.