نص الحديث
قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ترك الشّر صدقة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسّد صورة تمثيلية من حيث صياغته، ويجسّد دلالة عبادية من حيث محتواه.
والسؤال اولاً من حيث المحتوي، فماذا يعني هذا الحديث؟
من البيّن ان الصدقة من حيث التصور الشرعي لها: تعّد افضل وسيلة لدفع الشّر او البلاء، فإذا أتيح لأحدنا ان يمعن نظره في الحديث النبويّ المذكور من حيث الصلة بين الصدقة وفعل الخير او ترك الشّر: فإن الذهن ليتداعي الي طرافة دلالته، اي: دلالة الحديث المتقدم.
وتتمثل الطرافة في كون الحديث: لم يقل اتصدّق: دفعاً للشرّ، وانما يقرّر: عدم ممارستك للشر هو صدقة، اذن أين تكمن الطرافة؟
الطرافة في الحديث المتقدم تتجّسد في التقابل: بين من يدفع الصدقة تجنباً للشّر، ومن يتجنبّ الشر فيكون التجنّي: صدقة والفارق بينهما من الوضوح بمكان، ولكن التماثل بينهما ايضاً بمكان. كيف ذلك؟
الجواب: مادام الانسان يتطلع الي الأمن، حينئذ فإن الهدف هو تحقيق، يستوي في ذلك ان يتحقق الهدف مباشرة أو بنحو غير مباشر، ولكن التدريب علي تعلّم السلوك السويّ او الصحي أو العبادي يظل هو الهدف في الدرجة الأولي، من هنا جاء الحديث النبوي ليرسم لنا ما هو الأولي، اولاً ثم ما نطمح اليه من الأمن ثانياً، وهذا يتحقق في تعلم السلوك الصحي ألا وهو ترك ممارسة السلوك المَرَضِّي او العصابي وهو: الشر، فمثلاً: تركك لإيذاء الآخر هو دفع لإيذاء الآخر تجاهك، فيكون صدقة بهذا المعني.
بلاغة الحديث
وامّا بلاغياً: فان الحديث المذكور يظلّ من الطرافة بمكان كبير حيث يعتمد التضاد او التقابل بين طرفين هما: دفع الشر مقابل الصدقة: وترك الشر مقابل الصدقة، اي: ثمة فارق بين ان تمارس عملاً ايجابياً لتدفع عنك الشر، وبين ان تترك عملاً شريراً لتدفع الشرّ، وفي نفس الوقت ثمة توافق بين الحالتين وهو: دفع الشر عنك نتيجة المطاف. من هنا نجد ان التماثل من خلال التباين او التضاد له طرافته البلاغية الفائقة مادام دفع الشر وهو التماثل في حالتي صدقتك لدفع الشر، وترك الشر للحصول علي الأمن منه، واما التباين فهو: تقديم الصدقة وترك الشر، الّا ان النتيجة هي: الحصول علي الأمن من خلال التدريب علي تعلم السلوك العبادي المطلوب.