نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): من شكا الحاجة الي مؤمن فكأنما شكا الي الله، ومن شكاها الي كافر فكأنما شكي الله.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من النصوص البلاغية الفائقة من حيث دلالتها وصياغتها، فمن حيث دلالتها يتناول هذا النص علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، وعلاقته بالكافر او المنحرف مطلقاً، انه يتحدث عن الشكوي، اي: شكوي المؤمن من شدة يكابدها مثلاً، وهذه الشكوي قد يبثها لأخيه المؤمن، وقد يبثها لأحد المنحرفين، ففي الحالة الاولي يقول النص بان شكوي المؤمن الي أخيه يظل بمثابة بثها الي الله تعالي، واما العكس فتكون شكواه بمثابة شكوي من الله تعالي وليس إليه، والفارق كبير، ففي الحالة الاولي: شكواه طاعة، وفي الحالة الثانية: معصية، هذه الدلالة قد نسجها الامام علي (عليه السَّلام) وفق صورة تشبيهية مزدوجة، هي: الصورة الواقعية مقابل الصورة التخيلية، وهذا ما يتطلب إلقاء الإضاءة حياله: ليتضح الفن.
بلاغة الحديث
لقد شبه الامام (عليه السَّلام) شكوي المؤمن الي أخيه بشكواه الي الله تعالي وهذا التشبيه يعني: ان المؤمن بما انه منتسب الي الله تعالي، حينئذ فإن الشكوي إليه هي شكوي الي من ينتسب إليه وهو الله تعالي وهذا من الوضوح بمكان، ولكن العكس هو: الكارثة، حيث شبه الامام (عليه السَّلام) شكوي المؤمن الي المنحرف من خلال شكواه من الله تعالي وليس الي الله تعالي، والفارق كبير.
كيف ذلك؟ ان الشكوي من الله تعالي يعني: اتهام الله تعالي (والعياذ بالله تعالي)، حيث ان الكافر بما انه غير منتسب الي الله تعالي، حينئذ فإن الشكوي إليه تحسب من الشكوي الي غير الله تعالي، بسبب عدم إيمان الكافر بالله تعالي. ليس هذا فحسب، بل ان النكتة البلاغية الاشد اثارة هي: ان الامام (عليه السَّلام) اوضح بأن الموضوع يتحول من شكوي الي جهة: الي شكوي من جهة اخري، اي: الشكوي الي الكافر هي شكوي من الله تعالي، وهذا هو منتهي الكفران بالله تعالي، حيث حذرنا الامام (عليه السَّلام) من ذلك.
ختاماً: لا مناص من الاشارة ايضاً الي ان الشكوي لو استطاع المؤمن ان يكتمها ولا يبثها حتي الي اخيه المؤمن فان الافضل له ذلك، وهذا بسبب ان كتمان الشكوي تعبير عن الصبر، والصبر هو لا يتأتي إلا لذوي الحظوظ العظيمة.