نص الحديث
قال الامام الحسن (عليه السلام): الله تعالي أنزل القرآن الكريم نوراً يهدي به الضال، ويرشد به الحائر.
دلالة الحديث
الحديث يعرض لآهمية القرآن الكريم من حيث المعرفة التي يتضمنها، وهي معرفة تكون بمثابة «النُّورِ»، وهذا «النُّورِ» يهتدي بواسطته من ضل طريقه، وتتعمق او تنضج بواسطته الافكار الحائرة، اذن من حيث الدلالة، الحديث يشير الي القرآن الكريم والافادة منه لكل من هو يسير في الطريق الي المعرفة ولكنه ضال لا يعرف معالم الطريق، أو لكل من هو حائر لا يدري كيف يركن الي يقين معرفي.
والآن اذا ادركنا الدلالة العامة للحديث، فان التوضيح او التعميق لهذه الدلالة لا يتوفران إلا من خلال ملاحظة الجانب الفني او البلاغي لمقولة الامام الحسن (عليه السلام).
بلاغة الحديث
الحديث يرتكن الي ثلاث صور فنية، اثنتان منها تتفرعان من الصورة الرئيسية وهي مفردة (نور)، وهي رمز لعشرات او مئات بل الآف المصاديق الخيّرة، وامّا ما يتفرع من «النُّورِ» فهو: الهدي وصلته بالضال ّ، والرشد وصلته بالحائر. هنا نعتقد بان هذه الصور تحفل بما هو مثير ومدهش وجميل. فالصورة الاولي «النُّورِ» قلنا بانها ترمز الي مطلق الخير، والصورتان المتفرعتان تجسّدان رمزين يشيران الي ما ينتفع به كل ممّن هو ضالّ او حائر.
اذن لنتجه الي تحليل الصور البلاغية المتقدمة، فنقول: بالنسبة الي كلمة «النُّورِ» تقابل «الظُّلُمَاتِ»، حيث ان «النُّورِ» - كما اشرنا - يرمز الي ما هو خير في شتي مصاديقه ولكن هذا الرمز «النُّورِ» - من جانب آخر - قد ربطه الحديث بالضالّ وبالحائر، وهذا ما يستاقنا الي الحديث عن الصورتين المتقدمتين، فماذا نستلهم منهما؟
من الزاوية الفنية نلاحظ بان ثمة نمطين من الاشخاص هما: الضال والحائر، ونجد نمطين من الاشباع لحاجتهما في حالة افادتهما من القرآن الكريم، هما: الهداية والرشد.
والسؤال هو: ما هي الفوارق بين هذه المصطلحات الاربعة؟
الجواب: لقد انتخب الحديث مصطلح (الهداية) للضاّل، لان الضال ّ هو من لا يعرف الطريق، فيحتاج الي من يهديه وهو: «النُّورِ»، واما مصطلح (الحائر) فقد انتخب له الحديث مصطلح (الرشد)، لان الحائر هو من لا يعرف اليقين الذي يركن اليه وينقذه من حيرته، وهذا ما يتجانس مع مصطلح (الرشد) بصفة ان الرشد هو: الاستقامة او النضج الفكري، حيث ان الحائر يشبه الطفل في مرحلته التي لا يقوي علي تشخيص الأمور، بعكس المرحلة الراشدة حيث يتاح للشخصية أن تتبين الامور وتقضي علي الحيرة الفكرية.
اذن تبيّن لنا مدي الثراء الدلالي في هذه الصورة المركبة التي نسجها الامام الحسن (عليه السلام) في تعريفه بأهمية القرآن والكنز المعرفي الذي يتضمنه.