نص الحديث
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان الشيطان والاثم، يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم، يتناول الجانب المتصل بالتعامل مع المال، وخاصة: البيع، حيث ان البائع نتيجة حرصه علي بيع سلعته من الممكن ان يلجأ الي الغش أو البيع الربوي، أو السلعة المشبوهة، وهو ما يحذر الحديث من الوقوع فيه، حتي يسلم البائع من أكل السحت.
وقد استخدم الحديث صورة بلاغية هي: الاستعارة المتمثلة في مزج او خلط البيع بالصدقة، اي: خلع طابع المزج علي ظاهرة معنوية هي: سلامة السلوك الاقتصادي المتمثل في البيع لصورته الشرعية، ونظراً لأهمية البيع من جانب، واهمية الصدقة من جانب آخر يحسن بنا ان نعرض لهذين الجانبين من خلال البعد البلاغي او الصوري المذكور.
بلاغة الحديث
ان النكتة البلاغية الاولي في الحديث هي: ان الحديث ذكر موضوعين مرتبطين بالبيع، هما: الشيطان والاثم، وحذّر من كونهما يحضران عملية البيع، بمعني ان البائع من الممكن ان يقع في المحرم من السلوك.
بيد ان السؤال هو: ان الشيطان وحده، هو صاحب الفاعلية في تزيين الانحراف، فلماذا قرنه الحديث مع الأثم؟
ان الاثم معناه: فعل ما لا يحل من السلوك، لذلك فان التصور الذاهب الي ان ما لا يحل: هو بدوره سلوك انحرافي، بدليل قوله تعالي: «الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»، اي: ان البشر بدوره هو: شيطان او جند للشيطان في حقيقة الأمر، وهذا ما أوضحته النصوص المتنوعة المشيرة الي ان للشيطان جنداً من البشر. اذن الشيطان من جانب، والنزعة الانحرافية للبشر من جانب آخر: يحضران عند عملية البيع، وهذا ما يتطلب الحذر من البائع حتي لا يقع البيع في ما هو غير مشروع.
السؤال الآخر بلاغياً هو: ما هي الفاعلية للصدقة، حتي تتسبب في ابعاد عملية البيع من الحرام؟
الجواب: من البين، ان الصدقة تدفع البلاء، ولا بلاء اشد من بلاء الذنب بطبيعة الحال ولذلك فان البائع عندما يدفع الصدقة انما يدفع عنه بلاءاً هو: بلاء الاثم بمعني ان الله تعالي سوف يحجز البائع المتصدق من وقوعه في ما هو محرّم، وهذا هو منتهي ما يتطلع اليه البائع في عمله الاقتصادي المذكور، حيث ان الغش او الربا أو ما هو مشبوه يجعل الشخصية أو يعرضها ليس للعقاب الاخروي فحسب، بل ثمة من الآثار الوضعية لآكل الحرام تسحب نتائجها علي الشخصية في نطاق سلوكها الدنيوي ايضاً.
اذن امكننا ان نتبين - ولو عابراً - جانباً من الاسرار البلاغية الكامنة وراء الحديث المذكور، سائلين الله تعالي ان يجنبنا كل ما هو شبهة في السلوك، وان يوفقنا الي الطاعة، انه سميع مجيب.