نص الحديث
قال الامام المعصوم (عليه السلام): صلاح حال التعايش ملء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلث تغافل.
دلالة الحديث
هذا النص من الوثائق الاجتماعية التي تعد معياراً لامناص منه بالنسبة الى التعايش الاجتماعي، فضلاً عن نجاح الشخصية في توافقها الداخلي، ان البشر بصفته غير معصوم لا نتوقع منه ان يحيا متوازناً لا صراع فيه، لذلك فان المعصوم عليه السلام رسم لنا معياراً في التعامل الاجتماعي اي: التعامل مع الآخرين في مختلف شؤوننا الاجتماعية. ان البائع والمشتري والموظف والعامل والتاجر والسياسي، عندما نتعامل واياهم ينبغي ان نغض البصر عن زلاتهم او غشهم او نفاقهم، ولكن في نطاق محدود دون ان نسمح لهم بالضحك او الغش او الغبن الملحوظ، فمثلاً قد يغبنك البائع قليلاً من السلعة او المال، فعليك في مثل هذه الحالة ان (تتغافل) عن هذا اليسير من الغبن، والا ستعرض حياتك الى القلق والتوتر والاذى، ولذلك رسم المعصوم (عليه السلام) معياراً لهذا المقدار من التغافل الا وهو الثلث اي 33 % من التغافل، واما الباقي فعليك بالفطنة لان المغبون لا ولا مأجور كما يقول الامام (عليه السلام).
ولعل النكتة المهمة في تحديد هذا المعيار، اي: التغافل في الثلث،والفطنة في الثلثين هو: الصورة التمثيلية التي رسمها الامام (عليه السلام).
بلاغة الحديث
لقد شبه المعصوم عليه السلام علاقتنا مع الآخرين، بالمكيال والميزان، وجعله ثلاثة ثلاث، واوضح بان الانسان اذا كان فطنا ً في الحالات جميعاً، فانه سيفقد اصحابه ويخاصم اطراف التعامل من بائع او موظف او عامل..الخ، فان مطالبة الناس بالانصاف ليس من الانصاف، ولذلك فان هذا القدر من التنازل والتغافل ضروري حتى يتمكن الشخص من التعايش مع الآخرين، والنكتة هي: ان الثلث لا ضرر منه، بينما نجد الثلثين لهما ضرورته حتى لا تغبن تماماً لان الغبن كاملاً يتسبب في الاضطراب الفردي والاجتماعي مما لا يقره العقلاء البتة.
من هنا جاء التشبيه فب تعاملنا الاجتماعي بالميزان من حيث ثلثه في التغافل ومن حيث الفطنة في الثلثين الآخرين: من الصور الفنية المتسمة بالطرافة وما بالعمق كما هو واضح.