إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
أطيب التحايا ، وأجمل المني نبعثها لحضراتكم ونحن نعاود اللقاء بكم عند محطّة أخري من برنامجكم نبض الحياة وموضوع آخر من المواضيع التي تهمّ الشباب ، حيث سنناقش في هذه الحلقة المخاطر التي يواجهها الشباب فيما يتعلّق بالغرائز التي أودعها الله تعالي في كيانهم ، ندعوكم للمتابعــــة ....
مستمعينا الأكارم !
يمثّل الشباب عهد الحماس والصفاء و النموّ . ولكن وبنفس المقدار الذي يتميّز فيه بالنقاء والصفاء ، فإن الشاب يتعرّض بنفس النسبة بل وأكثر للابتلاء بالآفات المختلفة. واليوم فإن الظروف الثقافيّة للمجتمعات بشكل بحيث نري الأحداث والشباب يتعرّضون دوماً وبشكل متواصل لسيول متدفّقة من رسائل المعلومات والعلوم المختلفة . ووسائل الإعلام هي اللغة الرابطة بين هذه الرسائل مثل الأقمار الصناعيّة التي تعدّ الوسائل الأكثر قدرة في مجال التواصل العام وتعتبر القنوات الفضائيّة في هذا المجال خطيرة ومضرّة أكثر ممّا هي مفيدة ، كما أنها تهيّء الأرضيّة للمفاسد الأخلاقيّة والاجتماعيّة .
وتلعب مشاهدة الأفلام الهابطة دوراً مهمّاً للغاية في القضاء علي القيم والأخلاق والدين والأمور المعنويّة . وما أكثر الشباب الذين سلكوا سبيل الانحراف والضلال و أفسدوا الآخرين أيضاً علي أثر مشاهدة البرامج الموجَّهة لوسائل الإعلام تلك والأفلام الإباحيّة . وممّا يدعو إلي التأمّل في هذا المجال قولُ النبي (ص ) : " كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً .
ومن المعضلات التي يواجهها الشباب في المجتمعات البشريّة (وخاصة المجتمعات الغربيّة)، ظهورُ النزعات الجنسيّة وظاهرة الانحرافات بين الجيل الشاب . ومن البديهي أنّ أي استعداد وقوّة أودعت في وجود الإنسان هي باتجاه نموّه وتطوّره و إذا ما تمّ توظيفها علي أساس المعايير المنطقيّة والصحيحة فإنها ستؤدّي إلي كمال الإنسان و تساميه. وتعتبر القوي الجنسيّة وقوّة الشهوة من الاستعدادات التي يمكن علي أساسها تكوين الأسرة واستمرار النسل البشري وإذا ما وظِّفت في طريق الانحراف وخارج إطار أحكام العقل والوحي ، فإنها ستجرّه إلي الهلاك .
واليوم فإن الأفلام الجنسيّة الرخيصة المثيرة للشهوات والتي هي في حالة انتشار علي أثر الإنتاجات الفنيّة الجديدة و تطوّر وسائل الإعلام العامة ، تهيّء الأرضيّة للانحرافات الجنسيّة بين الشباب . فالنفس الأمّارة بالسوء ما هي إلّا النزعات والميول الغريزيّة التي تتغلّب علي العقل إثر اشتدادها ، وفي هذه الحالة يندر أن نجد شخصاً بإمكانه أن يفكّر في قبح شيء ما أو حسنه أو يدرك خطره، وبالنظر إلي أن مجرّد مشاهدة مثل هذه البرامج لا تؤمّن الحاجة الجنسيّة لدي الشباب ، فإنّ نار هذه الغريزة سوف تتوقّد أكثر لتؤدّي إلي الانحرافات الأخلاقيّة والجنسيّة .
مستمعينا الأفاضــــل !
ومن العلاقات المذمومة التي تخضع اليوم في الأوساط الغربيّة المختلفة للبحث والنقاش ، ظاهرةُ المثليّة . ويتم التعامل مع هذه الظاهرة بقوّة في الشرق الأوسط ولكن هذه العلاقة تمّ الاعتراف بها رسميّاً للأسف في بعض البلدان الغربيّة ومنها أميركا حيث ووضعت قوانين للزواج لهذه الشريحة في معظم الولايات الأمريكيّة.
وقد عرّضت هذه العلاقة التي تمثّل طريقاً منحرفاً وغير سويّ في إشباع الغرائز الجنسيّة ، الكثيرَ من الشباب للمخاطر وهي محرَّمة في الإسلام . يقول الله تعالي في سورة " المؤمنون : " والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ، كما جاء في القرآن الكريم في ذمّ هذا السلوك علي لسان لوط (ع) مخاطباً قومه :
" أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ .
ويري الإمام الرضا (ع) أن الهدف من تحريم الرجال علي الرجال والنساء علي النساء هو أن هذا السلوك يتنافي مع الطبيعة التي وضعها الله للرجل والمرأة، ومخالفة هذه التركيبة الفطريّة والطبيعيّة تؤدّي إلي انحراف روح الإنسان وجسمه، وإذا ما مال الرجال والنساء إلي هذا السلوك فسينقطع نسل البشر ، و يحدث خلل كبير في الحياة الاجتماعيّة ، و ينتشر الفساد والدمار في العالَم .
ويسعي الشاب دوماً للتعويض عن نقصه و يعمل علي تحقيق استقلاله الفكري؛ وهو يتوجّه نحو الزواج لتلافي نواقصه وتأمين حاجاته التي لا حصر لها وبإمكانه من خلال اختيار الزوجة المناسبة والصالحة أن يمهّد لنموّه وتكامله . يقول الشهيد المطهّري في هذا المجال :
إنّ تكوين الأسرة يعني نوعاً من التعلّق بمصير الآخرين ، وهذا التعلّق هو من الأسباب التي حدت بالإسلام إلي اعتبار الزواج أمراً مقدّساً وعبادة، والزواج هو أوّل مرحلة للخروج من الذاتيّة الفرديّة و اتساع شخصيّة الإنسان ، والنضج يحصل بفعل الزواج وتكوين الأسرة ، ولايمكن بلوغه من أي طريق آخر. ومن جهة أخري فإنّ بإمكاننا أن نعتبر الزواج سبباً لنمو الإنسان وكماله . وفي الحقيقة فإن الله خلق الإنسان بشكل بحيث يكون ناقصاً من دون الجنس المخالف وبوجود هذا الجنس يكمل نقصه ؛ فالرجل بحاجة إلي المرأة والمرأة بحاجة إلي الرجل . وكلا الجنسين مرتبط بالجنس الآخر من الناحية الروحية و الجسميّة ويكمل بعضهما البعض من خلال تواجدهما معاً .
أحبّتنا المستمعين !
وبالطبع فإنّ اتجاه الشباب نحو الانحرافات الجنسيّة وبغض النظر عن وسائل الإعلام ، تمتدّ جذوره في السلوك داخل الأسرة . وقد نشرت مؤخراً إحدي المؤسسات الاستشارية للأسرة في أميركا نتائج دراساتها حول أسباب ميل الشباب إلي المثليّة وعدم إقبالهم علي الزواج و توصّلت إلي نتائج طريفة في هذا المجال ؛ حيث توصّلت هذه المؤسسة بعد طرحها الأسئلة علي ۲۰۰۰ شاب من الفتيان والفتيات الذين كانوا يميلون إلي السلوك المِثلي أو لم يكونوا يبدون رغبة في الزواج ، إلي أن مثل هذه السلوكيّات غير السويّة بين الشباب في المجتمع تمتد جذورها في الماضي و الظروف المحيطة بهم وكذلك سلوك والديهم معهم .
وقد كان ۳۰ % من الفتيان و۲٥ % من الفتيات يؤكّدون أنّهم تأثروا في مرحلة طفولتهم وحداثتهم لسلوك آبائهم وأمهاتهم السيّء . ومن بين هذه السلوكيّات غير المناسبة التي تمكن الإشارة إليها ، عدمُ إظهار القدر الكافي من المحبّة ، و إساءة معاملة الأطفال ، و العقوبة الجسديّة ، و التفريق بين الأولاد ، وعدم الالتفات إليهم ، و مقارنتهم مع الأطفال الآخرين بشكل يجرح مشاعرهم و توجيه الإهانات والكلام البذيء إليهم . وهو ما سنواصل الحديثَ عنه في الحلقة القادمة من البرنامج بإذن الله ، فحتي ذلك الحين نترككم في رعاية الله شاكرين لكم طيب متابعتكم