أحبّتنا المستمعين الأكارم !
نحن معكم في حلقة أخري من برنامجكم نبض الحياة ، نتحدّث من خلالها عن وسائل الإعلام والتواصل الحديثة وتأثيرها علي أسلوب حياة الشباب ، وذلك بعد أن ناقشنا في الحلقة الماضية موضوع المطالعة ودورها في تكوين شخصيّة الشباب، ندعوكم للمتابعــــة ....
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
يعدّ اليوم الإنترنت والأنظمة الرقميّة المتطوّرة و تقنيات الاتصال الأخري الوسائل المهمّة في انتقال المعلومات والثقافة وتبادلها و لها دور كبير في تكوين هويّة الشباب. ويمكن القول إن وسائل الاتصال والإعلام الحديثة تحوّلت إلي جزء لايتجزّأ وبديهي من حياتنا اليوميّة ، بحيث إن جريان الأمور قد يكون متعذّراً في بعض الأحيان من دونها . وعلي سبيل المثال ، فإن أجهزة الهاتف المحمول أصبح اليوم متواجداً بشكل شامل ومتواصل في جميع مجالات الحياة اعتباراً من المجالات الخصوصيّة وحتي العموميّة باعتباره وسيلة اتصال شاملة اختصر جميع الوسائل قبله ممّا أدّي إلي حدوث الكثير من التغيّرات في حياة الأشخاص اليوميّة . و الشباب هم الأكثر استخداماً لهذه التقنيّة في حياتهم من بين الشرائح الأخري .
كما أدّت الجاذبيّة التي يتمتّع الإنترنت بها إلي أن يختار الشباب والمراهقون الحاسوب بدلاً من تعاملهم مع أترابهم ووالديهم . وقد سلب هذا التعلّق بالحاسوب منّا التجربة المحبّبة المتمثّلة في التئام الشمل بيننا لتسوقنا باتجاه الانطواء والعزلة .
والانترنت يمثل ظاهرة ذات استخدامات مفيدة وبالتالي لا يمكن اعتبار الانترنت منطوياً علي المخاطر جملة وتفصيلاً و إشاعة الإعلام المغلوط عنه بل إن المهم هو الأسلوب الصحيح لتوظيفه والاستفادة منه ؛ وفي الحقيقة فإنّنا إذا استخدمنا أية ظاهرة وفق الأسلوب الصحيح ، فإننا سنجني منها النتائج الصحيحة . وفي المقابل فإن الأشخاص الذين يستخدمون الانترنت بشكل عادي يتلون في الغالب بالعزلة الاجتماعيّة والإخفاق في الدراسة والعمل و يتقلص يوماً بعد آخر النطاق المتعارف عليه بين الأفراد والعلاقات بينهم . كما أن هنالك تأثيرات جسميّة تعدّ من معايب الألعاب الكومبيوتريّة من مثل ضعف الإبصار والانحراف في الرؤية و تغيّر الشكل الطبيعة للفقرات فضلاً عن الأضرار الفكريّة والروحيّة .
أعزّتنا المستمعين !
والحقيقة أنّ دخول التكنلوجيا الحديثة للمعلومات والاتصالات مثل الانترنت والهاتف المحمول في حياة الشباب خلال السنوات الأخيرة ، ترك الكثير من التأثيرات في طبيعة رؤستهم وهويّتهم ونمط حياتهم . ورغم أن هذه الوسائل الحديثة سهّلت إلي حد كبير من الاتصالات بين الأفراد قياساً إلي الماضي وأتاحت للشباب أن يجرّبوا علاقات مختلفة وجديدة ، ولكن تبعات هذا الإنجاز فيما يتعلّق بالهوية محسوسة للغاية ولا يمكن إنكارها ، و العلاقات المترتّبة من ذلك تؤدّي دوراً مهماً في التعامل مع الأشخاص من الجنس الآخر بين الشباب .
وتعدّ الدردشة والرسائل النصية القصيرة ، من الإمكانيّات التي يتمتع بها الهاتف المحمول والتي تتميّز بشعبيّة واسعة بين الشباب . وهاتات الإمكانيّتان تتيحان الاتصال السريع والسهل ولكن الاستخدام الخاطيء لهذه الظاهرة يؤدّي إلي أضرار لا يمكن تلافيها .
يقول أحد الشباب الذين أقدموا علي الانتحار بعد صدمة عاطفيّة تلقّاها علي أثر استخدامه للدردشة :
ارتبطت بفتاة من خلال الانترنت والدردشة ، ولم تمر سوي بضعة شهور حتي اكتشفت أنها لا تكنّ لي أي حب ممّا أدّي إلي أن أعاني من ضغوط نفسيّة وروحيّة بحيث قرّرت الانتحار ولكن حالتي تحسّنت بفضل أسرتي ولكنني اقتنعت أن الانترنت من شأنه أن يؤدّي إلي الانحراف وسلب الهوية في نفس الوقت الذي يخدمنا في الكثير من المجالات .
مستمعينا الأفاضــــل!
وتعتبر الأقمار الصناعيّة ، الإنجاز الآخر للتكنلوجيا الحديثة . ويبدو في البدء أن تطوّر وسائل الاتصال عبر الأقمار الصناعية مطلق ولاتحدّه حدود ، وهذه التكنلوجيا ضروريّة للغاية من أجل تحقيق مشروع القرية العالميّة ، في حين أنه قد اتضح عبر التجارب القصيرة التي لا تتجاوز بضع سنوات أن بعض تبعات هذه الظاهرة ، مضرّة من الناحية الثقافيّة .
يقول الكاتب والناقد الاجتماعي إلفين تافلر :
إن تكنلوجيا الأقمار الصناعيّة ووسائل الاتصال الحديثة الأخري ، تمزّق الثقافات الوطنيّة وهذا الارتباط المتقاطع يعتبر علي أي حال تهديداً للهوية الوطنيّة التي تسعي الحكومات من أجل المحافظة عليها ونشرها بهدف تحقيق أهدافها الشخصيّة . و القنوات الفضائيّة تهيء الأرضية للمفاسد الأخلاقيّة والاجتماعيّة وهي خطيرة ومضرّة أكثر من أن تكون مفيدة لجيل اليوم وللناس بشكل عام .
ويجب الالتفات إلي أن مرحلة الشباب ، هي مرحلة البحث عن الجديد والتغيير والتطوّر ؛ المرحلة التي تجعل الإنسان يواجه حاجات ومطالب جديدة . ومن أهم هذه الحاجات ، الحاجة إلي الهويّة وإيجاد الشخصيّة والتي لم يكن هناك شعور بالحاجة إليها في عهد الطفولة . وتكوّن الهوية يقتصر علي سنوات المراهقة ففي هذه المرحلة يعمل الإنسان علي إقامة علاقة ثابتة بين المعتقدات والقيم . والقيم التي كانت تنتهي في عهد الطفولة إلي ثبات شخصية الطفل وتوازنها ، تفقد عند دخول عالم الشباب والمراهقة دورها وقيمتها ولا تعود ملبّية لحاجات الشباب كالسابق . وفي هذا العهد يبحث الشباب عن معتقدات وقناعات يكملون من خلالها مسيرة بحثهم عن الهويّة ليشبعوا بذلك حاجاتهم الجديدة . وإن لم يستطع الأفراد اجتياز هذه المرحلة بنجاح ، فإنهم سيبتلون بأزمة الهويّة وتبعاتها المرّة . وبذلك فإن الشباب هم أكثر الشرائح تأثّراً وتأثيراً في ذات الوقت في تيّار التغيّر والتطوّر في الاتصالات والتقنيات الحديثة وبإمكانهم من خلال استغلال الفرص السانحة لهم وعبر الوعي والمعرفة أن يكونوا سبّاقين في المجال العلمي أو أن يقعوا أزمة الهويّة تحت تأثير الثقافة و الفكر الغربي .
وفي الحقيقة فإن وسائل الإعلام والاتصال العامة اخترعت كباقي اختراعات البشريّة كي يستغلّها الإنسان علي الوجه المطلوب . وقد دفعت الحاجات المختلفة والمتزايدة الإنسانَ إلي أن يطوّر وسائل الإعلام يوماً بعد آخر من الناحيتين الكمية والنوعيّة . وبإمكان وسائل الإعلام والاتصال العامة مثل : الكتب والمجلّات والتلفزيون والأقمار الصناعيّة والانترنت ، أن يكون لها استخدامان ؛ فقد تكون بمثابة سكين بيد طبيب ملتزم ومخلص أو خنجر بيد إنسان مجرم وقاتل .
إخوتنا أخواتنا المستمعين والمستمعات !
حديثنا حول المخاطر والتهديدات التي تشكّلها وسائل الاتصال والإعلام ضدّ هويّة الشباب الدينيّة والثقافيّة ، سيتواصل في حلقتنا القادمة من برنامج نبض الحياة بإذن الله ، حتي ذلك الحين ، تقبّلوا كلّ حبّنا وتقديرنا وفي أمان الله....