أحبّتنا المستمعين في كلّ مكان !
تحايانا وأمانينا لكم بكل خير نبعثها لكم في هذه الجولة الأخري التي يسرّنا أن نرافقكم من خلالها في عالم الشباب وهمومه وقضاياه عبر برنامجكم نبض الحياة ، برجاء أن تقضوا معنا أوقاتاً حافلة بكل ما ينفعكم ويدخل البهجة إلي قلوبكم ...
مستمعينا الأكارم !
يتميّز الشباب في كل عصر بميزات خاصّة بهم و هم يؤدّون دوراً مؤثراً في المجتمعات من حيث خلق الموضوعات المختلفة لأنهم يحظون باهتمام أكبر . ومن الجوانب البارزة للشباب في العصر الحالي ، مواجهتُهم للعادات والتقاليد . وإذا ما أعملنا النظر فسنلاحظ أن هناك تناقضاً دقيقاً وواضحاً في نفس الوقت بين كلمة التقاليد وبين كلمة الشباب ، وهو واضح إلي درجة أن بمقدورنا ملاحظته حتي من دون التأمّل فيه .
وإذا ما كنت أيّها الشاب من وسط يعتبر الأسرة من الأركان المهمّة في حياته فإن حديثنا موجّه إليك . والقضيّة تتمثّل في تلك العادات والتقاليد وعلاقتها بحياة الشباب ؛ وفي هذه المرحلة الحسّاسة من التاريخ والتي تسمّي القرن الحادي والعشرين علماً أن الشباب يريدون أن لا يعتبروا أنفسهم منفصلين عن ركب الحضارة ، في حين تبدو هذه العادات والتقاليد وكأنها قيود تغلّ أرجل الشباب ، الأمر الذي يفاقم من ذلك التناقض الواضح .
وتتميّز التقاليد التي هي جزء من حياة الناس اليوميّة في المجتمعات المختلفة ، بجانبين إيجابي وسلبي حيث تتغيّر مع تغيّرات العصر وتطوّراته . والجانب الإيجابي من العادات والتقاليد هو أن بإمكانها أن تؤدّي إلي النمو والازدهار المعنوي والأخلاقي والاجتماعي للأفراد و جانبها السلبي أنها قد تؤدّي إلي نكوص الإنسان وتراجعه . والتقليد الأعمي هو من جملة التقاليد السلبيّة التي اعتبرها القرآن عامل فساد الإنسان حيث يقول في هذا المجال : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا .
ويعتبر الكثير من الشباب اليوم التقاليدَ عقبة أمام تحرّكهم وانطلاقهم ، و أن الأوان قد آن لنبذ هذا العادات والتقاليد المتهرّئة جانباً خاصة أنها قد اكتسبت طابع الخرافات ولم تعد لها جدوي .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ومع ذلك فإننا أحياء بعاداتنا وتقاليدنا . بل إن الحقيقة هي أن كل شعب حيّ بتاريخه و العادات والتقاليد الماضية تستحوذ علي قسم خالد من هذا التاريخ . وخاصة التقاليد التي تعزّز العواطف و تشكّل السلوك الاجتماعي . والقرآن الكريم يشيد بالأشخاص الذين يؤسسون للسنن الحسنة والصالحة . وبالطبع فإن البعض يري أن تقاليد الأجيال الماضية وأنماط حياتهم ، لا تمثّل دليلاً موثوقاً به للعيش في العالم الراهن المفعم بالتغيّرات . فهذا العصر هو العصر الذي تواجه فيه معظم الفرضيات المسبقة وأسس الحياة السابقة التحدّي من خلال الفلسفة والعلم . ومن جهة أخري ، فإن من غير الممكن لأي إنسان ومجتمع أن يعيش مستقلاً عن الماضي وثقافة بيئته في مواجهة التحديات في العالم الجديد . فلكل منّا ولكل كجتمع هويّة تمتد جذورها في التراث والموروثات .
والشاب في عصرنا الحديث يعتمد علي العلم والتقنيات الحديثة وهو يجرّب دون إرادة منه انعدامَ العطف والحنان و الانفصال عن الوالدين . وهولايقبل أبداً اتباع الماضي دون قيد أو شرط ولا يقلّد والديه تقليداً أعمي فحسب بل إنه لا يتقبّل حتي ما يقوله العلماء من دون دليل وبرهان . وبعبارة أخري ، فإن الإنسان في هذا العصر وخاصة الشباب ينظرون بعين التساؤل إلي تراث السابقين ويريدون تسليط الضوء عليه بنور العلم والتجربة ليميّزوا الغثّ من السمين . ورغم أن الإنسان سلك طريق التطرّف إلي حد ما في عصر النهضة ، و نفي كلّ الموروثات الماضية ، ولكنه ينظر إليها اليوم بعين الشك والتساؤل كي يعثر علي طريق للإثبات أو الرفض .
مستمعينا الأعزّة !
ويجب الالتفات إلي أن الالتزام والعادات والتقاليد الاجتماعيّة و احترامها ، هو عامل ضبط للشباب . فهذه العادات والتقليد من شأنها أن تكون عاملاً مهماً ورادعاً عن الانحراف والفساد ، شريطة أن تكون بعيدة عن الأوهام والخرافات والذنوب، ويجب الالتزام بها في جميع تفاصيل حياة الجيل الشاب اعتباراً من السلوك والأقوال وحتي اتخاذ القرارات والعمل. ورعاية العادات والتقاليد والآداب الصحيحة والمعقولة لا تقتصر علي شريحة أو طبقة خاصة . فقد طلب القرآن الكريم من النساء أن لايعرضن أنفسهن علي أنظار الآخرين كما كان حال نساء الجاهليّة ، وأن لايتّبعن تقاليدهن الخاطئة .
ولذلك ، لاينبغي للفتيان والفتيات أن يرتدوا ملابس مثيرة للشهوات أو لافتة لانتباه الآخرين . وأعداء الإسلام يستثمرون في هذه القضايا كي يوجّهوا الضربة القاضية للمجتمع الإسلامي عبر نشر الثقافة الغربية و إبعاد الناس عن الثقافة والتقاليد البنّاءة.وبعبارة أدق، فكلّما تعرّضت مظاهر التعصّب الصحيح للدين والوطن للإساءة أكثر أو زالت، فإن جسم الثقافة سوف يتهاوي أمام الضربات الموجّهة إليه . ومن حالات الالتزام بالتقاليد والأعراف الاجتماعيّة في المجتمعات الإسلاميّة أن يتحلّي الشباب في محيط البيت بالأدب والحياء وأن يتجنّبوا استخدام الألفاظ البذيئة . وعليهم أن يتواضعوا أمام آبائهم وأمّاتهم وأن لايتخذوا موقف العنف والهجوم في أي حال من الأحوال .
وفي الحقيقة فإنّ عالم اليوم لم يستطع رغم كل التطوّر و اختراع التقنيّات الجديدة أن يقدّم بديلاً مناسباً في مقابل رفض العادات والتقاليد الاجتماعيّة ، حيث يعتبر سقوط الأخلاق والقيم و النزعة إلي حياة العزوبيّة والابتعاد عن النشاطات الجماعيّة والميل إلي الأمور الفرديّة من جملة السلوكيّات التي يعيشها البشر اليوم وخاصة الشباب . كما أن هذا الاتجاه في حالة نموّ وانتشار في المجتمعات التقليدية أيضاً ، بحيث إن شريحة الشباب لم تعد لها رغبة في التقاليد الموروثة ولا الالتزام بها . ولعلّ البعض يفسّر ذلك بأن الشباب يميلون اليوم أكثر إلي الاكتفاء الذاتي والاستقلال من خلال النموّ العقلي السريع، ولكن الحقيقة شيء آخر فميل الأفراد هذا إلي النزعة الذاتيّة يعتبر آفة اجتماعيّة تتجلّي تأثيراتها في جوانب المجتمع المختلفة وفي الشؤون السياسيّة والاقتصاديّة .
وعلي حدّ تعبير الفيلسوف الأمريكي فوكو ياما فإنّنا سنشهد تدريجيّاً انهياراً كبيراً بسبب انحسار الأخلاق و أسلوب الحياة المعاصرة . وهذا الانهيار سيحدث في المجالات الأخلاقيّة وفي المؤسّسات ، وفي مجال الأسرة علي وجه الخصوص .
مستمعينا الأفاضــــل !
نشكر لكم طيب المتابعة وكرمها راجين منكم أن تنظرونا في الحلقة القادمة عند قضيّة أخري من قضايا الشباب في برنامجكم نبض الحياة ، في أمان الله ...