مستمعينا الأكارم في كلّ مكان !
يسرّنا أن نجدّد اللقاء بكم عبر محطّة أخري من برنامج نبض الحياة حيث سنواصل التطواف في حلقتنا لهذا الأسبوع بين مخاطر الانحراف التي تحفّ بالشباب واحتمال انزلاق البعض منهم فيها ، كونوا معنــــا...
مستمعينا الأفاضل !
كان البشر منذ القدم يعانون من الخرافات . وحتي في العصر الحديث الذي يسمّي عصر المعلومات والاتصالات وتنفتح فيه كلّ يوم أبواب جديدة من العلم والتكنلوجيا ، فإن الخرافة لم تزُل فحسب بل تجسّدت بشكل أكثر حدّة وفي أساليب أكثر تنوّعاً . وهذه الظاهرة لاتقتصر علي المناطق المتخلّفة ، بل إن قلب الحضارة الجديدة أي أوروبا مايزال يعاني من هذه المعضلة .
والخرافة هي بمثابة سم قاتل يستنزف قوّة الإنسان وطاقته و يلقيه في مستنقع الظلام ؛ بحيث إنه يزداد غوصاً فيه كلّما حاول الخروج منه . ولقد شهدنا في العقود الأخيرة انتشار الخرافات ونموّ الجماعات المنحرفة علي المستوي العالمي حيث كان الشباب أكثر تعرّضاً لها من غيرهم ؛ فصناعة الدين و المذهب بين المجتمعات المسلمة ، والذي يمثّل مشروعاً جاداً وقديماً من قبل أعداء الإسلام ، هو في الظروف الراهنة جانب من جوانب التهديد المختلفة . ففي هذه الظروف شغلت الجماعات المنحرفة الشبابَ تحت مسمّيات مختلفة مثل العرفان والتصوّف الكاذبين أو عبادة الشيطان ، بحيث إننا نري تجلّيات هذه الهجمات علي مستوي المجتمعات . وتعتبر الطائفيّة من بين التهديدات الجدّية للدين والمجتمع الديني ؛ فالآراء والأفكار المختلفة التي تظهر بين الفرق الدينيّة ، تبعد الإنسان عن الحقيقة وتؤجّج الاختلافات وتتسبّب في الكثير من الانحرافات .
أعزّتنا المستمعين !
ويمكن القول إنّ أخطر الآفات التي تواجه الشباب في البلدان ذات الطابع الديني، هي إضعاف عقائدهم وثقافتهم الدينيّة . ورغم أن مظاهر ومعايير الانحرافات لدي الشباب تتركّز غالباً في الجانب الأخلاقي والعملي ، ولكن هناك علاقة وثيقة بين معتقدات الإنسان وأعماله ، بحيث إن الانحراف الفكري يقود الإنسان نحو الانحرافات الأخلاقيّة . يقول الشهيد المطهّري في هذا المجال: علينا أن نتتبّع معظم الانحرافات الدينيّة والأخلاقية بين الجيل الشاب في أفكارهم ومعتقداتهم.
واعتبر الخبراء في هذا المجال أن من عوامل ضعف الشباب أمام الآفات و ظهور السلوكيّات غير السويّة بينهم ، عدم اطّلاعهم علي الكون والإنسان ، نتيجة عدم الاعتقاد بالأصول والمباديء الإسلاميّة وخاصة المبدأ والمعاد . فالشاب الذي يؤمن بالله تعالي و يرتبط به ، لايعتبر نفسه وحيداً ومنعزلاً أبداً في هذا الكون الواسع ويسعي دوماً لأن لايخرج من طريق الإنسانيّة . والصمود أمام عاصفة الغرائز الجنسيّة ، رهن بتمتّع الإنسان بالإيمان والملاذ الروحي . ومثل هذا الشخص يغدو أكثر تحمّلاً وصبراً في المصاعب والمصائب و لا يبتلي أبداً بالعبثيّة والضياع . وهو لا يقحم نفسه في الكثير من الأزمات الاجتماعيّة بسبب الكرامة والقيمة التي حققها لنفسه عند الله .
وفي المقابل ، فإن الفرق المنحرفة من مثل عبّاد الشيطان ، تؤدّي إلي أن يصبح الشاب معلّقاً بين الأرض والسماء وبين الدين والأسرة . ومعظم الأشخاص الذين يتّبعون عبادة الشيطان ، يتورّطون في النهاية في العبثيّة والخواء و يقدمون علي الانتحار . فعبادة الشيطان تترك تأثيرت علي حياة الإنسان وروحه تؤدّي إلي حدوث اضطرابات في المجتمع وزوال مؤسسة الأسرة ، والقضاء علي الأمن الفردي وبالتالي إلي قضايا مثل الإدمان علي المخدّرات و مواد الهلوسة . ولذلك يقف عبّاد الشيطان في مواجهة التشريعات الإلهيّة ، و يسخرون من قوانين المجتمع و يعيشون نوعاً من الحياة ملأي بالكراهية والغضب .
ومن البديهي أن الشاب إن لم ير الجمال الحقيقي للدين ولم يعثر علي الحب الحقيقي ، فإن مظاهر الجمال الموهومة ومظاهر الحب الخاوية سوف تحلّ في قلبه وإن لم يعرف العظمة الإلهية اللامحدودة ، فإنه سيقبل علي المعتقدات المغلوطة . وبعبارة أخري ، فإن لم يحقق الشاب القيم المعنويّة ولم يبلغ معرفة الله ، فإن السلوكيّات المنفلتة وأجواء الموسيقي الشيطانيّة و الرعب والإثارة التي تخلقها ، سوف تضفي علي حياته تنوّعاً لافتاً وستكون إشباعاً مؤقتاً وكاذباً له .
مستمعينا الأحبّة !
والجماعات المنحرفة وخاصة عبدة الشيطان تتميّز بشعارات وعلامات تطرحها في قالب الرمز كي تترسّخ بسهولة في الثقافة العامة وتنتشر بشكل جذّاب في المجتمع وخاصة بين الشباب والنساء . وللرموز الشيطانيّة استخدامات واسعة ضمن نطاق عريض اعتباراً من الملابس والأحذية والساعات وحتي الألوان وتصاميم غرف النوم والدمي المعلَّقة في داخل المركبات . وهذه الرموز مختلفة وجميلة التصاميم وهي منتشرة في كلّ مكان مثل اللواصق التي يلصقها الطفل علي كرّاسات الرسم بل وحتي مقبض العصا التي يتوكّأ عليها الشيخ الطاعن في السن . وفضلاً عن ذلك فإننا نلاحظ التصاميم الخياليّة لوجه الشيطان علي الكثير من الملابس و والمستلزمات والأغراض الشخصيّة الأخري .
ومن أجل إبعاد الشباب عن هذا النوع من الانحرافات في العصر الراهن ، فإن السبيل الأمثل هو تتبّع جذور ميل الشباب إلي هذه الجماعات . ولعل بإمكاننا أن نعتبر سبب ميل الشباب إلي هذه الجماعات الحديثة الظهور والمزيّفة ، رغبتهم في أن يكونوا مختلفين ومتميّزين ؛ فالبعض من الشباب الذين يميلون إلي التميّز عن الأفراد الآخرين يعتنقون هذه المذاهب بهدف لفت أنظار الآخرين . حيث إن الكثير من الشباب يعترفون بأن هدفهم من ارتداء الملابس ذات الرموز والشعارات الشيطانيّة هو الاختلاف والتميّز عن الآخرين بل إنهم لايعلمون شيئاً في الأساس عن ظاهرة باسم النزعة الطائفيّة وعبادة الشيطان .
كما أن بعض الأشخاص يعتنقون مذاهب مثل عبادة الشيطان بهدف اكتساب النفوذ والسلطة ؛ فهم يرون أن الشيطان هو رمز لبعض من القوي ولذلك فإن بإمكانه أن ينقل قسماً من قوّته إلي بعض من أتباعه ؛ وعلي هذا يعتقد بعض من الأشخاص الذين يطغي علي وجودهم حبّ النفوذ والسلطة ، أن شعورهم هذا ستم إشباعه إلي حد كبير من خلال اعتناق هذه المذاهب .
وبالإضافة إلي ذلك فإن نزعة التجديد هي من القضايا التي تؤدّي إلي الإيمان بالجماعات الكاذبة والمنحرفة . ذلك لأن الإنسان يبحث عادة عن الأشياء الجديدة التي تشبع أحاسيسه من الناحية النفسيّة .
ومن البديهي أنّ الأسرة والمدرسة والمجتمع تعتبر العوامل الثلاثة الرئيسة في تكوين شخصيّة الإنسان وسلوكيّاته وهو يخضع شاء أم أبي لتأثير هذه البيئات الثلاث ، ولكن المحيط الاجتماعي الذي يمثّل المدرسة الأخيرة لصياغة أخلاق الإنسان وشخصيّته ، أقوي بمرّات من العاملين الآخرين . فالبيئة الاجتماعيّة قادرة بسهولة علي أن تشكّل شخصيّات الشباب حسب اتجاهاتها ، ولذلك علي الدعاة و المربّين الدينيين أن يسلّطوا الضوء علي مظاهر الجمال الروحية والعرفانية في الدين آخذين بعين الاعتبار حركيّة الدين وظروف العصر وأن يعلّموا الشباب أسلوب الحياة علي أساس تعاليم الإسلام الحقيقيّة الخالصة .
بهذا نصل بكم – إخوتنا أخواتنا المستمعين والمستمعات – إلي ختام جولتنا لهذا الأسبوع في عالم الشباب عبر برنامجكم نبض الحياة ، شكراً علي طيب المتابعة ، وإلي الملتقي .