أعزّتنا المستمعين ، سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته !
ها نحن ذا نلتقيكم مرّة أخري عبر حلقة جديدة من برنامجكم الشبابي نبض الحياة ، والتي سيدور الحديث فيها حول الشاب وتكوين الأسرة ، ندعوكم لمرافقتنــــــا .
مستمعينا الأكارم !
من المراحل المهمّة من حياة كلّ إنسان ، الزواجُ وتكوين الأسرة . فكما أن الطبيعة تمرّ بفصل يدعي الربيع ، وتعمّها فيه الخضرة والنشاط والحيوية ، فإن عهد الشباب هو أيضاً بمثابة فصل الربيع في حياة الإنسان . وهو العهد الذي يبلغ فيه الإنسان ذروة بلوغه الجسمي والعقلي ، وتتفتّح فيه براعم الأمل و النظرة إلي المستقبل و اختيار الطريق الصحيح في حياته . كما أن الشباب هو مرحلة مهمّة في تنظيم الحياة المشتركة .
ومن المعلوم أن الزواج وتكوين الأسرة ، يتمّان بفعل أفكار ودوافع مختلفة حيث يستتبع كل منها مخاطر أو بركات كثيرة . فالدوافع العادية والمادية ، مثل تأمين الغرائز الطبيعيّة والدوافع السامية والإلهية مثل بلوغ الكمال ، وتحويل شخصية الإنسان الفردية إلي شخصية اجتماعيّة ، وبلوغ الصفات الإنسانية والسماوية البارزة ، كل ذلك له دور كبير في تكوين العلاقات بين الجنسين . فمزيج الدوافع مثل الحاجة إلي محادثة الآخرين و الهروب من الوحدة و التعامل العاطفي و الإلتئام الروحي ، و استمرار النسل وبقائه ، وطاعة أمر الله في طريق اختيار الشريك ، كلّ هذه العوامل تتظافر مع بعضها البعض لتشكّل انطلاقة التحرّك نحو الزواج .
يقول الأستاذ الشهيد مرتضي مطهّري في وصف المظاهر والتجلّيات الظاهرة والخفيّة للزواج :
هناك خصوصيات أخلاقيّة لايمكن للإنسان أن يكتسبها إلّا في مدرسة تكوين الأسرة . فتكوين الأسرة يعني نوعاً من الاهتمام بمصير الآخرين ولقد كان أصحاب الرياضات والزهّاد الذين لم يجتازوا هذه المرحلة ، يعانون دوماً وحتي نهاية أعمارهم من نوع من " النَزَق " و " الطفولة " في داخلهم . ومن الأسباب التي اعتبر فيها الزواجُ في الإسلام عملاً مقدّساً وعبادة ، هو أن الزواج يمثّل أول مرحلة للخروج من الطبيعة الفرديّة و اتساع شخصيّة الإنسان ... فهو نضج لا يتأتّي إلّا من خلال الزواج وتكوين الأسرة ، ولا يمكن أن يحصل في المدرسة ولا من خلال جهاد النفس ولا في صلاة الليل أو اتّباع الأخيار والصالحين ، بل يجب تحقيقه من خلال الزواج وتكوين الأسرة لا غير .
مستمعينا الأفاضل !
إن الزواج وإيجاد محيط مفعم بالحب والصفاء والصدق بين المرأة والرجل ، هو موضوع أكّد الإسلام عليه كثيراً . فالزواج يؤدّي إلي الألفة والأنس والمحبّة القلبيّة بين الزوجين ويؤمّن أهم حاجات الإنسان وهي الشعور بالأمن والاطمئنان . وهذه الحاجة التي تمتدّ جذورها في فطرة الإنسان ، تبلغ من الأهميّة بحيث إن الله يقول في بيان الهدف من الزواج :
" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ومودّة ورحمة .
والشريك الصالح يقرّب طريق الوصول إلي السعادة في خضم أحداث الحياة . وفي هذه الخليّة الاجتماعيّة الأولي يوضع حجر أساس التعليم والتربية و يبلغ الإنسان في ساحة الزواج الاطمئنان والتكامل .
وأمّا الثمرة المباركة الأخري لهذه الرابطة الإلهيّة فهي المحافظة علي نصف دين الشاب باعتباره الزاد الأكبر و حصاده من هذه الدنيا . و يعمد الشاب المتزوّج من خلال الحصول علي هذه النعمة الإلهية إلي المحافظة علي النصف الآخر من دينه براحة بال واطمئنان قلبي . يقول النبي الأعظم (ص) :
" اذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف دينه ، فليتّق الله في النصف الآخر .
ويؤكد رسول الرحمة في موضع آخر أن الزواج من سنّته وسيرته وأن من علامات السعادة للرجل ، الزوجةَ الصالحة ، وهو (ص) يعتبر الزواج من موجبات رزق الإنسان وذلك في قوله :
" اتّخذوا الأهل فإنه أرزق لكم .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
ويحذّر القرآن الكريم في خطاب صريح إلي المجتمع الإسلامي ، المسلمين من عدم الاهتمام بهذا الموضوع بسبب عدم توفّر الإمكانيّات الماديّة و يعدهم بأنه سيغنيهم في هذه الأمور من فضله ورحمته اللامحدودة :
" وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم .
ولكنّ الموضوع المهم في الزواج وخاصة بين الجيل الشاب الالتفاتُ إلي اختيار الشريك ومعياره . فالشاب يعيش ذروة حماسه الروحي وأحاسيسه النقيّة والرقيقة ولذلك فإنه بحاجة إلي الدقة في النظر والاستشارة . وعلي المحيطين بالجيل الشاب أن يدركوا أولاً الأهميّة البالغة والمصيرية لاختيار الشريك وأن يقدّموا علي إثر ذلك وجهات نظر ورؤي مناسبة لأولادهم كي لايخطف أبصارَهم الجمالُ الظاهري والأحاسيس المؤقتة أو السلطة والثروة ولا توقعهم في حبائلها .
والشاب يعمل علي بلوغ الاستقلال الفكري ؛ فيتجه نحو الزواج من أجل التعويض عن نواقصه وتأمين حاجاته التي لا تحصي وأن يهيء الأرضية لنموّه وتكامله من خلال اختيار الشريك المناسب والصالح . وهو يوظّف من واقع الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ، كلَّ ذكائه وقدرته علي الابتكار ومواهبه ليتفتّح الكثير من كفاءاته وقدراته الكامنة في ذاته . وبناء علي ذلك ، يمكن اعتبار نمو الإنسان وكماله من النتائج الرئيسة و المطلوبة للزواج الناجح والأصولي ، لأن الرجل والمرأة مرتبطان مع بعضهما البعض من الناحيتين الروحية والجسميّة ويكملان بعضهما البعض عبر الدعم المتبادل بينهما .
يقول سماحة قائد الثورة الإسلاميّة السيّد الخامنئي ( حفظه الله ورعاه ) في هذا المجال :
إن فرصة الزواج والاستقرار ضمن مجموعة الأسرة هي من الفرص المهمة في الحياة . والزواج بالنسبة إلي المرأة والرجل كليهما هو وسيلة لتحقيق الاستقرار والاطمئنان الروحي و الدافع إلي مواصلة النشاط في الحياة . إنه وسيلة للتعاطف و العثور علي إنسان مواسٍ طيلة الحياة ، وبغض النظر عن حاجات الإنسان الطبيعيّة المتمثّلة في الحاجات الغريزية والجنسية ، فإنّ موضوع الإنجاب و التمتّع بالأطفال هو بحد ذاته من الأسباب الكبري للسعادة في الحياة . فالله تعالي تعجبه الحياة المشتركة والمزدوجة . والإنسان الوحيد ، والرجل الوحيد والمرأة الوحيدة يقضون أعمارهم كلّها وحيدين ، وكلّ منهما غريب عن مجموعة المجتمع البشري من وجهة نظر الإسلام . لقد أراد الإسلام أن تكون الأسرة الخليّةَ الحقيقيّة للمجتمع برمّته لا الفرد وحده .
مستمعينا الأكارم !
انتظرون في لقائنا القادم من نبض الحياة عند قضيّة أخري من قضايا الشباب ، شكراً علي طيب المتابعة ، وفي أمان الله .