مررت على قبرالحسين بكربلا
ففاض عليه من دموعي غزيرها
ومازلت ابكيه وارثي لشجوهِ
ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وناديت من حول الحسين عصائبا
اطافت به من جانبيه قبورها
سلام على اهل القبور بكربلا
وقل لها مني سلام يزورها
سلام بآصال العشي وبالضحى
تؤديه نكباء الرياح ومورها
ولا برح الزوّار زوّار قبره
يفوح عليهم مسكها وعبيرها
كان من وجوه الشيعة بالكوفة، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم، رجل يُدعى "سعيد بن عبد الله الحنفيّ" من بكر بن وائل، عدنانيّ من عرب الشمال. وكان من وثاقته وولائه أن اصبح أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين الى الامام الحسين عليه السلام يستقدمونه الى الكوفة إماما ً عليهم.
قال اهل السِّير: لما ورد خبر هلاك معاوية، اجتمعت الشيعة في الكوفة فكتبوا الى الحسين عليه السلام:
أولاً: مع عبد الله بن وائل وعبد الله بن سبع.
وثانياً: مع قيس بن مسهر وعبد الرحمان بن عبد الله.
وثالثاً: مع سعيد بن عبد الله الحنفيّ وهاني ابن هانيّ.
وكان الكتاب الذي حمله سعيد بن عبد الله هو: من شيث بن ربعيّ، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رُويم، وغيرهم... وصورة الكتاب هذا: (أما بعد، فقد اخضّر الجناب، واينعت الثمار، فإذا شيءت فأقدم على جند لك مجندَّة). فأعاد الامام الحسين عليه السلام سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني من من مكّة الى الكوفة بكتاب هذه صورته:
بسم الله الرحمن الرحيم
«أما بعد، فإنّ سعيداً وهانيا ً قدما عليَّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم أنه ليس علينا امام؛ فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت اليكم أخي وابن عميّ، وثقتي من اهل بيتي، (مسلم بن عقيل)، وأمرته ان يكتب اليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن بعث إليّ أنه قد أجمع ملؤكم وذوو الفضل والحجى منككم على مثل ما قدمت به عليَّ رسلكم، وقرأت كتبكم، أقدِم وشيكا ً إن شاء الله تعالى. فلعمري ما الامام إلا ّ العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله، والسلام».
ثم ان الحسين صلوات الله عليه أرسل سعيد بن عبد الله الحنفي، وهاني بن هاني قبل مسلم بن عقيل، وسرّح مسلما ً بعدها مع قيس بن مسهر وعبد الرحمان بن عبد الله... حتى إذا حضر مسلم بن عقيل في الكوفة ونزل دار المختار الثقفي، خطب الناس عابس الشاكري.. ثم حبيب بن مظاهر، ثم خطب سعيد بن عبد الله الحنفيّ بعدهما، فحلفَ أنه موطّن نفسه على نصرة الامام الحسين سلام الله عليه، ثم بعث مسلم بن عقيل سعيد بن عبد الله بكتاب ٍ الى الحسين، فأبلغه سعيد وقد التقى بمولاه سيد شباب اهل الجنة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، وسلمه كتاب مسلم و وبقي معه حتى ورود كربلاء.
إنّ الصدق في كلّ شيء كان احد سجايا أهل البيت عليهم السلام، فكانوا مع الله صادقين، ومع انفسهم كذا كانوا صادقين، ومع الناس كذلك كانوا صادقين، بل كانوا هم المصداق الاتم للصدق؛ لذا دعا الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين لأن ينظموا اليهم بالولاء والاتباع، وأن يُلازموا معيّتهم لينجوا، فقال عز من قائل: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ» (سورة التوبة، 119).
وكانت نهضة سيد الشهداء عليه السلام صادقة ايضاً، في جميع ابعادها، وفي جميع اهدافها ومقاصدها، في جميع خطبها ومواقفها، مع انصارها ومع أعدائها وخصومها.. فلم يتحرك الامام الحسين عليه السلام من مدينة جده المصطفى صلى الله عليه وآله أعلن مسيرته الالهية، وكشف عن مصيره ومصير من معه: شاء الله ان يراني قتيلا ً، ويرى النساء سبايا. هذا ما قاله لاخيه محمد بن الحنفيّة، أما لام المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها، فقد قال: إنيّ أعلم اليوم الذي أقتل فيه، والساعة التي أقتل فيها، وأعلم من يُقتل من أهل بيتي وأصحابي... أتظنين أنك علمت ما لم اعلمه، وهل من الموت بُدّ، فإن لم أذهب اليوم ذهبت غداً.
وقال وهو في بطن العقبة: ما أراني إلا ّ مقتولاً؛ فإني رأيت في المنام كلابا ً تنهشني، وأشدها عليّ كلب ابقع. بل وفي مكة وقبل ان يخرج منها الى كربلاء، خطب عليه السلام فقال: «كأني بأوصالي هذه تقطعها عُسلان الفلوات، بين النواويس وكربلا، فيملأن مني أكراشا ً جُوفا ً، وأجربة سُغباً لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم». بل ومن قبل خروجه عليه السلام من المدينة قال لام سلمة فيما قاله: «يا أماه، وأنا أعلم أنيّ مقتول مذبوح ظلما ً وعُدواناً، وقد شاء الله عزوجلّ ان يرى حرمي ورهطي مشردين، وأطفالي مذبوحين.. مأسورين مقيدين، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً!».
ثم كتب صلوات الله عليه في قرطاس:
بسم الله الرحمن الرحيم
«من الحسين بن عليّ، الى بني هاشم..أما بعد؛ فإنه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلفَ لم يبلغ الفتح، والسلام».
وينضم الى الركب الحسيني الشريف أصحاب التوفيق والشرف والسعادة، ليحضوا برفقة الامام الحسين، وصحبة الامام الحسين، والشهادة الطيبة بين يدي الامام الحسين.
وليُدفنوا الى ماشاء الله الى جنب الامام الحسين، ويُزاروا مع مولاهم الحسين.. وفي الآخرة يكونون جُلا ّس الحسين، وحدّاث الحسين وكان منهم: سعيد بن عبد الله الحنفيّ رضوان الله عليه.