السّلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
لقد اختار الله تبارك وتعالى عدة من المؤمنين، كتب لهم بعد ان أخلصوا نواياهم ومساعيهم أن يصبحوا من أصحاب سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين (عليه السّلام) في مسيره الى كربلاء وأن يقاتلوا بين يدي امام زمانهم في ظهيرة عاشوراء، وينالوا الشهادة ويحظوا بتأبين الحسين لهم والدفن في مثواه، ثم يتشرفوا بزيارة ائمة الهدى لهم فيما بعد.
واختار الله جلّ وعلا عدة أخرى من المؤمنين، كتب لهم أن يستشهدوا قبل واقعة كربلاء، حيث قتلوا في الكوفة، هم: عبد الاعلى بن يزيد الكلبّي وعبد الله بن يقطر، وعمارة بن صخلب الازدي، وقيس ابن مسهر الصيداوي، وسيدهم مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه).
وهنالك الاكارم ثلة من المؤمنين كان لهم توفيق آخر حيث شاركوا في يوم عاشوراء بالقتال والنزال الى جانب سيد الشهداء، فجرحوا وارتثوا، ويومها لم يستشهدوا، منهم: الحسن المثنى بن الامام الحسن المجتبى (عليه السّلام) حيث اصابته ثماني عشرة جراحة وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد. وسوّار بن منعم الفهميّ جرح واسر، فتشفع فيه قومه الهمدانيون، فبقي اسيرا ولم يقتل، حتى توفي بعد معاناة جراحه.
وعمرو بن عبد الله الجندعيّ الذي وقع صريع جراحاته، فحمله اصحاب الحسين ليكون اسير فراشه عاماً كاملاً، ثم صريع اجله بعد ذلك. أما الموقع بن ثمامة الاسدي الصيداوي، فهذه قصته.
الموقع بن ثمامة هو ممن اتى الامام الحسين (عليه السّلام) في طف كربلاء، وقد خلص اليه ليلاً مع من خلص.
قال ابو مخنف: إنّ الموقع صرع يوم عاشوراء، فاستنقذه قومه بنو اسد وأتو به الى الكوفة فأخفوه، لكن خبره بلغ الطاغية عبيد الله بن زياد، فأرسل عليه ليقتله، فتشفع فيه جماعة من بني اسد فتركه لكن كبّله بالحديد ونفاه الى الزراره بـ (عمان). فكان الموقع (رضوان الله عليه) يعاني جراحاته وآلامه وهو في منفاه بعيداً عن الاهل والوطن، قضى على تلك الحال عاماً كاملاً حتى وافاه الاجل، وفيه يقول الكميت الاسدي يذكره بكنيته: وإنّ ابا موسى أسير مكبّل.
هكذا قدر للموقع أن ينقل جريحاً اسيراً الى منفاه مكبلاً، فيعاني الغربة مع الآم الجراح، لحكم اقتضتها مشيئة الله جل وعلا، قد يكون منها: أن ينكشف الكثير من جرائم بني امية وأعوانهم القساة الظلمة، وان يروي هذا المجاهد مشاهد عديدة ووقائع فريدة من ملحمة كربلاء العظمى لبعض المقربين والمحيطين به، وأن يتضاعف بذلك اجره في تلك المعاناة، حتى يقضي شهيداً ايضاً وقد مات على حب آل محمد بعد ثوابات أخر، وفي حين آخر.
وشهيد آخر من كربلاء، هو نصير بن ابي نيزر، ابوه نيزر من ولد بعض ملوك العجم، رغب في الاسلام فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرّباه، ثم عاش في ظل البيت النبوي الشريف، وعمل في بستان نخل لأمير المؤمنين علي (عليه السّلام)، وهو الذي نقل الخبر المشهور عن الامام علي في استخراج عين الماء التي عرفت فيما بعد (عين ابي نيزر)، وقد وقفها (عليه السّلام) للخير، وقد انثالت كأنها عنق جزور، فخرج الامام مسرعاً وقال: أشهد الله أنها صدقة ثم كتب: هذا ما تصدق به عبد الله عليّ، تصدّق بالضيعتين على فقراء المدينة.
اما ابنه نصر، فقد انظم وانتمى الى الامام الحسين (عليه السّلام) يخدمه بعد شهادة أمير المؤمنين والحسن المجتبى (عليهما السّلام) حتى إذا عزم أبو عبد الله الحسين على الخروج من المدينة. رافقه نصر بن أبي نيزر الى مكة ومن مكة الى كربلاء ليشترك في جمع الاصحاب في تلك الملحمة الالهية العظمى.
وقبل ان يبدأ القتال يوم عاشوراء، كان هنالك أمران من سيد شباب اهل الجنة (سلام الله عليه): الاول تعبئة صفوف عسكره. والثاني مخاطبة جيش عمر بن سعد بحقائق أربكتهم، فغربلوا، حتى انحازت جماعة الى صفوفه حاسمين موقفهم الى جانب الحق. لذا سارع عمر بن سعد إلى اشعال نار الحرب بسهم خبيث أطلقه نحو عسكر الامام الحسين (عليه السّلام)، مشهداً أصحابه لدى ابن زياد أنه أول من خبّث ورمى، ثم كانت السهام كالمطر تنثال على اصحاب سيد الشهداء. بعد ذلك كانت الحملة الاولى، كلّ على جهة تهجم هجمة رجل واحد، فكان حصيلة ذلك خمسين شهيد اللامام الحسين (سلام الله عليه).
وفي تلك الحملة، كان من نصيب نصر بن ابي نيزر أن يشترك فارساً مقاتلاً، صال وجال حتى عقرت فرسه، وسقط شهيداً (رضوان الله عليه) الى جانب جمع من الشهداء الابرار، يصوّرهم الشاعر ويتصوّرهم:
ثاوين قد زهت الرّبى بدمائهم
فكأنهم نوّارها الممطور
هم فتية خطبوا العلى بسيوفهم
وله النفوس الغاليات مهور
حتى اذا شاء المهيمن قربهم
لجواره... وجرى القضا المقدور
ركضوا بأرجلهم الى شرك الردّى
وسعوا... وكل سعيه مشكور
فزهت بهم تلك العراص كأنما
فيها ركدن أهلة وبدور
فرضوان الله عليهم من مضحين مخلصين و(صلوات الله عليهم) من شهداْ سعداء مفلحين.