السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
لقد جمع اصحاب الامام الحسين عليه السلام خصالا ً نبيلة، تلك هي التي وفقتهم لتلك الصحبة في الركب الحسيني الشريف، ثم لتلك النصرة التي لم تنته الا ّ عند الشهادة بعد التضحية والفداء، والغضب لله وفي الله.
فكانوا يحامون عن امامهم ابي عبد الله الحسين سيد شباب اهل الجنّة، بأيديهم وأنفسهم، وألسنتهم، فما يكلم قوم عمر بن سعد الامام الحسين بعبارات سيئة ٍ مسيئة، إلا ّ انبرى لهم اصحاب الحسين بالرّد عليهم والقامهم حجرا ً في أفواههم، وكان منهم حبيب بن مظاهر الاسديّ رضوان الله عليه... فمن ذاك حبيب يا ترى؟!
حبيب بن مظاهر بن رئاب أحد أصحاب النبي (ص)، ومن شيوخ التابعين، وحملة القرآن الكريم، ومن علماء المسلمين، إذْ رأى النبي وسمع حديثه. وكان من القُوّاد الشجعان، نزل الكوفة وصحب امير المؤمنين عليا ً عليه السلام في حروبه كلها، وتعلم منه علم المنايا والبلايا، ثم التحق بالركب الحسيني فكان على ميسرة الحسين سلام الله عليه يوم كربلاء وعُمره يومذاك خمس وسبعون سنة.
قال الزركليّ في كتابه (الاعلام): وحبيب بن مظاهر واحد من سبعين رجلا ً استبسلوا في يوم عاشوراء، وقد عُرض عليهم الامان فأبوا وقالوا: لا عُذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله إن قُتل الحسين وفينا عين تَطرُف... حتى قُتلوا حول الحسين عليه السلام.
نعم... فبعد ان كان حبيب ابن مظاهر أحد خواصّ الامام علي بن أبي طالب عليه السلام ملازما إياه طيلة خلافته ومشاركا معه في حروبه، صحب بعده ولده الامام الحسن المجتبى صلوات الله عليه الى حين شهادته، حينذاك التحق بالحسين السبط سلام الله عليه، وهو يومئذ زعيم بني اسد، فأخذ البيعة منهم لسيّد شباب اهل الجنة ابي عبد الله الحسين، فصار أفضل انصاره؛ إذ سجل مواقف فاخرة شهدت لها كربلاء، حيث كان فيها قائد الميسرة في جيش الامام الحسين (ع)، وكان صاحب لواء لانّه من خواص أصحابه، ولم يفارق الحسين في كربلاء ليلا ً ولا نهارا ً... فجاهد بين يديه، وقاتل فأبلى بلاء ً حسنا ً على كبر سنه، حتى استشهد بين يدي سبط رسول الله؛ ليُدفن مُفرداً عن قبور الشهداء، وليكون على طريق الداخل الى ضريح الامام الحسين والعائد منه، فيُخصّ بالسلام والاجلال ذهاباً، وايابا ً.
وحبيب بن مظاهر (رضوان الله تعالى عليه) صاحب المواقف الصادقة، والثابتة على العهد... فهو أحد الذين راسلهم الامام الحسين عليه السلام، تمهيدا ً لنهضته الالهية المباركة، ودعاهم الى نصرته... حيث كتب عليه السلام اليه: من الحسين بن علي بن ابي طالب، الى الرجل الفقيه حبيب ابن مظاهر. أما بعد يا حبيب... فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله (ص) وانت اعرف بنا من غيرك، وانت ذو شيمةٍ وغيرة، فلا تبخل علينا بنفسك، يجازيك جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله يوم القيامة.
وكان من مواقف حبيب يوم أقبل قُرّة بن قيس الحنظلي ّ يُبلغ رسالة عمر بن سعد الى الامام الحسين (ع)، واراد الرجوع، استوقفه حبيب قائلا ً له: ويحك يا قُرّة بن قيس! أنّى ترجع الى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بأبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك.
ويوم رأى حبيب قلة انصار الحسين وكثرة اعدائه، قال للحسين يطلب له النصرة: إنّ ها هنا حياً من بني اسد، فلو أذنت لي لسرت اليهم ودعوتهم الى نصرتك، لعل الله ان يهديهم ويدفع بهم عنك. فأذن له الحسين عليه السلام، فسار اليهم حبيب حتى وافاهم، فجلس في ناديهم وهو اسدي منهم، ووعظهم، وكان مما قال لهم: يا بني اسد، قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه... هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، وقد نزل بين ظَهر اتيكم في جماعة من المؤمنين، وقد اطاف به اعدائه ليقتلوه، فأتيتكم لتمنعوه (أي لتحفظوه)، وتحفظوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، فوالله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والاخرة، وقد خصصتكم بهذه المكرمة لانكم قومي وبنو أبي، وأقرب الناس مني رحما ً.
فأجابه جماعة، ونهضوا مع حبيب فالتحقوا بالركب الحسيني. ويوم وعظ الامام الحسين اعداءه بخطبة ٍ كان فيها: اما بعد، فانسبوني من انا وانظروا... اعترضه شمر بن ذي الجوشن وقاطعه قائلا ً: هو يعبد الله على حرفٍ إن كان يدري ما تقول! فأجابه حبيب بن مظاهر من مكانه غَيرةً على امامه: أشهد انه يعبد الله على سبعين حرفاً، وأنك لا تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك! ثم عاد الحسين عليه السلام في خطبته.
وتلك المواقف المشرفة، يختتمها حبيب بن مظاهر الاسدي رضوان الله عليه بطاعة امامه والتلبية لدعوته ونصرته، والمثول بين يديه... في ظهيرة عاشوراء، وعند الزوال... وبعد قتل معظم أصحاب ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، فبرز حبيب للاعداء وهو يرتجز قائلا ً:
انا حبيب وابي مُظهَّرُ
فارس هيجاء وحرب تُسعرُ
انتم أعدُّ عُدّةً وأكثر
ونحن اوفى منكم وأصبرُ
ونحن أعلى حجة ًوأظهرُ
حقا ً.. وأتقى منكم وأعذرُ
وقاتل قتالا ً شديدا ً وهو يشفّف على الثمانين من عمره، حتى أردى من عسكر الاعداء اثنين وستين رجلا ً، فأحاطوا به من كل جانب، فحمل عليه يُديل بن صُرَيم فضربه بسيفه، وطعنه آخر برمحه، فسقط الى الارض، فحاول ان ينهض بالرغم من جراحاته إلا انّ الحُصين بن نُمير عاجله بالسيف على رأسه، فسقط حبيب لوجه، وقد رفع الله روحه الى عليين، فقال الامام الحسين عندها: عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي.
واسترجع كثيرا ً وقال: رحمك الله يا حبيب؛ فقد كنت فاضلا ً.
وبعد دفن الشهداء قال الامام السجاد عليه السلام لبني اسد: أما القبر المنفرد مما يلي الرأس الشريف، فهو (قبر) حامل راية الحسين عليه السلام... حبيب بن مظاهر. وفي زيارته المباركة، قال الامام المهديّ صلوات الله عليه: السلام على حبيب بن مظاهر الاسديّ.