السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
أعظم الله أجورنا وأجوركم بالمصاب الجلل الذي تحل مناسبته هذه الايام، في ذكرى شهادة ريحانة المصطفى سيد شباب اهل الجنّة، ابي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وذكرى شهادة الثلة الطيبة من آله وذويه، والنخبة الشريفة من أصحابه الاوفياء المخلصين... الذين تقدموا مع الامام الحسين سلام الله عليه يوادُّونه ويوالونه، وينصرونه ويؤازرونه... وتقدموا أمام أعدائه من عسكر عمر بن سعد ينصحونهم مرة ً ويحذرونهم اخرى، يعظونهم مرة ً ويذكّرونهم اخرى، فإذا لم ينفع ذلك وبّخوهم وهددوهم، ثم نزلوا الى ساحة الشرف والشهادة فقاتلوهم يُعزّون الحق ويُذلون الباطل، ويدافعون عن امامهم ويجاهدون أعداءه، ويضحّون دون دين الله تبارك وتعالى في قتال لا ينتهي الا ّ عند مرضاة الله جلّ وعلا.
لما صلى الحسين صلوات الله عليه بأصحابه، خطبهم، ثم صفهم للقتال، وهناك صفّ عمر بن سعد اصحابه للحرب..
فألتفت ابو عبد الله عليه السلام الى القوم فخطب فيهم يُحذرهم مما هم قادمون عليه، ليهلك من هلك عن بينّة، ويحيى من حَيّ عن بينة.
فخاف ابن سعد على اصحابه من أن يؤثر خطاب الامام الحسين، عندها حثهم على رده يقول لهم: ويلكم كلموه فأنه ابن ابيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لمل قُطع ولما حُصر، فكلموه.
اي لو بقي يوما آخر يخطب فيكم لما انقطع عن الكلام البليغ ولما عجز عن مواصلته؛ فهو ابن سيد البلغاء عليّ بن ابي طالب سلام الله عليه! لكن القوم أخرسهم ما سمعوا، فبانَ منهم كل خَطَل ٍ وخذلان، فتقدم احد اصحاب الحسين، ذلك الرجل الباسل زهير بن القين، وهو شاك ٍ في السلاح قائلا ً للقوم من على فرسه: يا اهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله نذار، ان حق على المسلم نصيحة اخيه المسلم، ونحن حتى الان اخوة على دين واحد، وملة واحدة، مالم يقع بيننا وبينكم السيف، وانتم للنصيحة منا أهل، فأذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا امة وانتم امة. انّ الله ابتلانا واياكم (اي امتحننا وامتحنكم) بذرية نبيه محمد صلى الله عليه وآله؛ لينظر مانحن وانتم عاملون. انّا ندعوكم الى نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد؛ فأنكم لا تدركون منهما الى سوء سلطانهما كله، ليَسملان اعينكم، ويقطعان ايديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقطعان أماثلكم وقرّاءكم.. أمثال حُجر بن عديّ ٍ وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه.
فما كان من قوم عمر بن سعد الا ان سبوا زهير بن القين وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله ِ لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، او نبعث به وبأصحابه الى الامير عبيد الله سلما ً.
ويعود زهير بالنصح والتذكير والتحذير، يقول لهم: عباد الله، إنّ ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية (اي عبيد الله، وسمية معروفة في خزيها؛ ولذا كناها بها اشارة الى عاره وعارها)، ثم قال: فأن لم تنصروهم (اي ولد فاطمة) فأعيذكم بالله ان تقتلوهم.
فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم من بعيد وقال له: اسكت اسكت الله نامتك، أبرمتنا بكثرة كلامك.
وهنا هاجت الحمية الدينية في زهير بن القين وشمخت به كرامته وغلت نخوته وعزته، فصاح بالشمر: ما إياك اخاطب، انما انت بهيمة! والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم!
فقال الشمر: ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
فأجابه زهير: افبالموت تخوّفني؟! فوالله للموت معه احب الي من الخلد معكم.
ثم عاد زهير فأقبل على الناس رافعا ً صوته فيهم ينادي بهم: عباد الله، لا يغرنكم عن دينكم هذا الجٍلف الجافي واشباهه، فوالله لا تُنال شفاعة محمد صلى الله عليه واله قوما هرقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
بعد هذا نادى رجل من أصحاب الحسين على زهير: ان ابا عبد الله يقول لك: أقبل، فلعمري لأن كان آل فرعون نصح لقومه وابلغ في الدعاء (اي في الدعوة للحقّ)، فلقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النُصح والابلاغ.
وبعد ان يتقدم زهير بن القين بلسان النصح والارشاد والموعظة، فلم ينفع مع المعاندين والناكثين، يتقدم بسيف العزة والجهاد، يمسكه بيده، ويضع يده الاخرى على منكب الحسين ليستاذنه قائلا ً:
أقدِمْ هُديت هاديا ً مهديا
فاليوم القى جدك النبيا
وحسنا ً والمرتضى عليا ً
وذا الجناحين الفتى الكميّا
فيقول له الحسين: وانا القاهما على اثرك. فيتقدم زهير يقاتل قتالا ً لم يُرَ مثله، وهو يحمل على القوم ويرتجز قائلا ً:
انا زهير وانا ابن القين ِ
اذودكم بالسيف عن حسين ِ
ان حسينا ً أحد السبطين ِ
من عترة البَر التقي الزين ِ
فحصد بسيفه عشرات حتى ارهق، فتربص به غادران، هما: كُثير بن عبد الله الصعبي والمهاجر بن أوس، فقتلاه، فوقف عليه الامام الحسين عليه السلام يقول: لا يبعدنّك الله يا زُهير ولعن قاتليك، لعْن الذين مُسخوا قردة ً وخنازير.
وتمرّ القرون فيقف الامام المهدي صلوات الله عليه، ليقول في ضمن زيارته المقدسة للشهداء: السلام على زهير بن القين البجليّ القائل للحسين عليه السلام - وقد أذن له في الانصراف-: لا والله، لا يكون ذلك أبداً، أترك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله اسيرا ً في يد الاعداء وأنجوا انا؟!
لا اراني الله ذلك اليوم.
رضوان الله عليك يا زهير وسلام الله عليك في الغيارى الشجعان، واسكنك ربك فسيح الجنان.