نلتقيكم في لقاءٍ جديد مع حكايات الهداية والقصص الحق، وقد إخترنا لكم في هذا اللقاء حكايتين مؤثرتين في أفعال الأجواد والرفق بالحيوان.
الحكاية الأولي رواها الفقيه الحنفي والمؤرخ العلامة أبو المؤيد الموفق بن أحمد في كتابه "مقتل الحسين" قال:
قال الحسن البصري: كان الحسين بن علي سيداً زاهداً ورعاً صالحاً ناصحاً حسن الخلق، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلي بستانه، وكان في ذلك البستان غلام له اسمه صافي فلما قرب من البستان رأي الغلام قاعداً يأكل خبزاً، فنظر الحسين إليه وجلس عند نخلة مستتراً لا يراه، فكان يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلي الكلب، ويأكل نصفه الآخر، فلما فرغ من أكله قال: الحمد لله رب العالمين اللهم اغفر لي، واغفر لسيدي وبارك له كما باركت علي أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.
فقام الحسين وقال: يا صافي.
فقام الغلام فزعاً وقال: يا سيدي وسيد المؤمنين إني ما رأيتك فاعف عني.
فقال الحسين: اجعلني في حل يا صافي لأني دخلت بستانك بغير إذنك.
فقال الحسين: رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب وتأكل النصف الآخر فما معني ذلك.
فقال الغلام: إن هذا الكلب ينظر إلي حين آكل، فأستحي منه يا سيدي لنظره الي وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء فأنا عبدك، وهذا كلبك فأكلنا رزقك معا، فبكي الحسين وقال: أنت عتيق لله وقد وهبت لك ألفي دينار بطيبة من قلبي.
فقال الغلام: إن أعتقتني فأنا أريد القيام ببستانك.
فقال الحسين: إن الرجل إذا تكلم بكلام فينبغي أن يصدقه بالفعل فأنا قد قلت دخلت بستانك بغير إذنك، فصدقت قولي، ووهبت البستان وما فيه لك غير أن أصحابي هؤلاء جائوا لأكل الثمار والرطب فاجعلهم أضيافاً لك وأكرمهم من أجلي أكرمك الله يوم القيامة، وبارك لك في حسن خلقك وأدبك.
فقال الغلام: إن وهبت لي بستانك أنا قد سبلته [أي أوقفته] لأصحابك وشيعتك.
قال الحسن البصري: فينبغي للمؤمن أن يكون كنافلة رسول الله (صلي الله عليه وآله) يعني الحسين (سلام الله عليه).
ونبقي مع حكايات روح الكرم الإلهي وحكايات الرفقة السامي بخلق الله جل جلالة، فننقل في الفقرة الثانية من برنامج حكايات وهدايات ما حكي عن رسالة القشيري في باب الجود والسخاء: أن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنه خرج إلي ضيعة، فنزل علي نخيل علي قوم وفيهم غلام أسود يعمل عليها، ثم أتي الغلام الأسود بغذائه وهو ثلاثة أقراص. فرمي بقرص منها إلي كلب كان هناك فأكله. ثم رمي إليه الثاني والثالث فأكلهما.
وعبد الله بن جعفر ينظر فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟
قال: ما رأيت. يعني هذه الأقراص الثلاثة من الخبز.
قال عبد الله بن جعفر: فلم آثرت هذا الكلب بها؟
أجاب الغلام: إن هذه الأرض ليست بأرض كلاب، وإنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت رده.
فقال عبد الله بن جعفر (رضي الله عنه): فما أنت صانع اليوم؟
قال: أطوي يومي هذا يعني يبقي جائعاً.
فقال عبد الله بن جعفر رضي الله عنه لأصحابه أُلام علي السخاء. وهذا أسخي مني. ثم إنه اشتري الغلام فأعتقه واشتري الحائط وما فيه ووهب ذلك كله لهذا الغلام الكريم.