كثيرٌ من الناس يغفلون عن السعي لإبتغاء رضا الله عزوجل وهو أمرٌ ميسور لأنه جل جلاله سريع الرضا، فيما هم يتراكضون لإرضاء الناس ويجعلون ذلك كل همهم مع أن رضا الناس غاية لا تدرك.
من كتاب "فتح الأبواب" للسيد ابن طاووس نقرأ لكم قوله من الحكايات في تعذر رضي العباد، حكاية عن لقمان وولده نذكر معناها، فهو كاف في المراد: قد روي أن لقمان الحكيم قال لولده في وصيته: لا تعلق قلبك برضا الناس ومدحهم وذمهم، فإن ذلك لا يحصل، ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته.
فقال له ولده ما معناه: أحب أن أري لذلك مثلا أو فعالاً أومقالاً.
فقال له: أخرج أنا وأنت.
فخرجاً ومعهما بهيم، فركبه لقمان وترك ولده يمشي خلفه فاجتازا علي قوم، فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة، وهو أقوي من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، إن هذا بئس التدبير.
فقال لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟
فقال: نعم.
فقال: أنت يا ولدي حتي أمشي أنا.
فركب ولده ومشي لقمان، فاجتازا علي جماعة أخري، فقالوا: هذا بئس الوالد، وهذا بئس الولد، أما أبوه، فإنه ما أدب هذا الصبي حتي ركب الدابة، وترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد، فإنه قد عق والده بهذه الحال، فكلاهما أساء في الفعال.
فقال لقمان لولده: سمعت؟
فقال: نعم.
فقال: نركب معاً الدابة، فركبا معاً، فاجتازا علي جماعة، فقالوا: ما في هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خير، يركبان معا الدابة، يقطعان ظهرها، ويحملاها مالا تطيق، لو كان قد ركب واحد، ومشي واحد، كان أصلح وأجود.
فقال: سمعت؟
قال: نعم.
فقال: هات حتي نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابة بين ايديهما وهما يمشيان، فاجتازا علي جماعة، فقالوا: هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب، ويمشيان، وذموهما علي ذلك كما ذموهما علي كل ما كان.
فقال لولده: هل تري في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال؟ فلا تلتفت اليهم، واشتغل برضي الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال.
ومن هذه الحكمة القيمة في الحث علي إبتغاء مرضاة الله جل جلاله، ننتقل بكم الي حكاية اخري تشتمل علي هداية مهمة في اجتناب إتباع الظن وحفظ حقوق الاخرين في جميع الاحوال.
قال آية الله الشيخ الزاهد عباس القمي في كتابة القيم منازل الآخرة: نقل ان كافي الكفاة الصاحب بن عباد: استدعي في بعض الايام شراباً، فاحضروا قدحاً، فلما أراد أن يشربه، قال بعض خواصه: لا تشربه، فإنه مسموم. وكان الغلام الذي ناوله شرابه هذا واقفا.
فقال للمحذر: مالشاهد علي صحة قولك؟
قال: تجربه في الذي ناولك اياه.
قال: لا أستجيز ذلك، ولا أستحله.
قال: فجربه في دجاجة.
قال: التمثيل بالحيوان لا يجوز. ورد القدح، وأمر بقلبه، وقال للغلام أنصرف عني، ولاتدخل داري، وأمر باقرار جارية وجرايته عليه، وقال: لا يدفع اليقين بالشك، والعقوبة بقطع الرزق نذالة.