إخوتنا الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد كانت حياة أهل البيت النبوي الشريف – و منهم فاطمة الزهراء – كلّها عطاء وكرما وجوداً على هذا الوجود، أفاضوا على الناس بأخلاقهم وخيراتهم وبركاتهم، في تعاملهم وحديثهم، فرشحوا خيراً طيله أعمارهم وحتّى بعد وفاتهم، كما شهد الجميع ذلك منهم ومن الصدّيقة الزهراء فاطمة صلوات الله عليها، لنقف على ذلك من كتب المسلمين بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأفاضل... لم تودّع فاطمة الزهراء سلام الله عليها هذه الدنيا إلّا وهي تفكر بالمحرومين والمحتاجين، بل لم ترحل قبل أن تترك لهم شيئاً كان فيه البركة والعافية والنّماء. فهي على فراش الموت، جعلت توصي وتقسّم ما كان بين يديها عسى أن يكون مورداً للفقراء والمساكين من المسلمين، وذوي الأرحام والمتعلّقين.
في (بحار الأنوار) روى الشيخ المجلسيّ عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال: إن فاطمة عليها السلام عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بستّة أشهر، وإنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله كتبت هذا الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد في مالها إن حدث بها حادث، تصدّقت بثمانين أوقية تنفق عنها من ثمارها التي لها كلّ عام في كلّ رجب بعد نفقة السّقي ونفقة المغلّ، وأنّها أنفقت أثمارها العام وأثمار القمح عاما قابلاً في أوان غلّتها. وإنّما أمرت لنساء محمّد أبيها خمساً وأربعين أوقية، وأمرت لفقراء بني هاشم وبني عبدالمطّلب بخمسين أوقية... وإنّي دفعت إلى عليّ بن أبي طالب على أنّي أحلّله فيه، فيدفع مالي ومال محمّد صلى الله عليه وآله ولا يفرّق منه شيئاً، يقضي عنّي من أثمار المال ما أمرت به وما تصدّقت به، فإذا قضى الله صدقتها وما أمرت به فالأمر بيد الله وبيد عليّ يتصدّق وينفق حيث شاء لا حرج عليه، فإذا حدث به حدث دفعه إلى ابنيّ الحسن والحسين المال جيمعاً مالي ومال محمّد صلى الله عليه وآله، فينفقان ويتصدّقان حيث شاءا لا حرج عليهما.
وإنّ لا بنة جندب (يعني بنت أبي ذرّ الغفاريّ) التابوت الأصغر وسفطها في المال ما كان، ونعليّ الأدميين، والنمط والجبّ والسرير، و القطيفتين. وإن حدث بأحد ممّن أوصيت له قبل أن يدفع إليه، فإنّه ينفق على الفقراء والمساكين.
ونبقى – أيها الإخوة الأعزّة – مع عطايا فاطمة الزهراء عليها السلام تذكرها كتب المسلمين في وصاياها قبل رحيلها، فقد كتب السّمهوديّ الشافعي في (تاريخ المدينة)، أنّها سلام الله عليها أوصت لأزواج النبيّ صلى الله عليه وآله لكلّ واحدة منهنّ اثنتي عشرة أوقية، ولنساء بني هاشم مثل ذلك، ولأمامة بنت أبي العاص بشيء... وأوصت لابنتها أمّ كلثوم إذا بلغت مافي المنزل. وفي (السنن الكبري) نقل البيهقي عن زيد بن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله: إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله تصدّقت بمالها على بني هاشم وبني عبدالمطلّب، وإنّ علياً عليه السلام تصدّق عليهم، وأدخل معهم غيرهم.
وجاء في (الكافي) للشيخ الكليني عن أبي مريم أنّه سأل أبا عبدالله الصادق عليه السلام عن صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وصدقة عليّ عليه السلام، فأجابه: "هي لنا حلال" .
ثمّ قال: "إنّ فاطمة عليها السلام جعلت صدقتها لبني هاشم و بني عبدالمطّلب".
وفي بحث الصدقة كتب محمّد بن إدريس الشافعي، صاحب المذهب، في كتابه (الأمّ): وتصدّق عليّ وفاطمة على بني هاشم و بني عبدالمطّلب بأموالهما، وذلك إنّ هذا تطوّع.
وحول أوقاف فاطمة عليها السلام، كتب السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة): كان لفاطمة عليها السلام سبعة بساتين، وقفتها على بني هاشم وبني عبدالمطّلب، وجعلت النظر فيها والولاية لعليّ عليه السلام مدّة حياته، وبعده للحسن و بعده للحسين عليهما السلام، وبعدهما للأكبر من ولدها.