بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله السميع العليم، وأفضل الصلاة على النبيّ الهادي الكريم، وعلى آله الهداة إلى حياة الهدى والنعيم. إخوتنا الأفاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تبدأ الأخلاق تأخذ دورها في النّشء من الأسرة، ونواة الأسرة الأب والأمّ، فإن كانت معاشرتهما طيبة يكتنفها الاحترام والمحّبة والتعاون والانسجام، تلقّى الأولاد ذلك: ومضوا به في حياتهم. وللأمّ دورها الكبير، قبل أن تصبح أمّاً، فيوم كانت زوجة كان لها الأثر الكريم في حيوية زوجها وسعادته وخدمته لدينه ومجتمعه. فالأصل: الأسرة، والعامل الموفّق: الأخلاق الطيبة داخل الأسرة. هذا ما كان بيناً في بيت رسول الله صلى الله عليه واله مع أسرته الخاصّة التي هي قدوة للمسلمين، بعد أن زوّج النور من النور، فاطمة من عليّ، بأمر من الباري تبارك و تعالي، فكيف كان – يا ترى – ذلك البيت في معاشرته؟
في (تفسير فرات الكوفيّ)، عن أبي سعيد الخدريّ: أصبح عليّ ذات يوم ساغباً، (أي جائعاً)، فقال: "يا فاطمة، هل عندك شيء تغذينيه؟" قالت: "لا والذي أكرم أبي بالنبوّة، وأكرمك بالوصية..." فقال عليّ: "يا فاطمة، ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟" فقالت: "يا أبا الحسن، إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه". هكذا الزوجة الصالحة تتعامل مع زوجها، وهكذا تخاطبه وتتحدّث معه. وأمّا العمل في البيت فلم تستنكف عنه، وهي ابنة المصطفى، وهي سيدة نساءالعالمين. روى العياشيّ في تفسيره عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّ فاطمة عليها السلام ضمنت لعليّ عليه السلام عمل البيت: العجين والخبز وقمّ البيت. وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام". وفي (علل الشرائع) روى الشيخ الصدوق أنّ علياً عليه السلام حدّث يوماً عن حياته مع فاطمة عليها السلام، وكانت قد مضت إلى ربّها عزوجلّ، فقال: "إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهله إليه (أي النبيّ صلى الله عليه وآله)، وإنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها، وطحنت بالرّحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد". وتأتي الأخبار – أيها الإخوة الأكارم – تحكي تقسيم الأعمال بين الزوجين الطيبين، بكلّ انسجام، وتعاون واحترام. روى الكلينيّ في (الكافي) عن الإمام الصادق عليه السلام قوله "كان أميرالمؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي و يكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز".
هكذا كانت أخلاق فاطمة الزهراء صلوات الله عليها في معاشرتها وبيتها، وهي إلى ذلك راضية حامدة... كتب الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) عن الإمام جعفر الصادق – عليه السلام –، و كذا القشريّ في تفسيره عن جابر الأنصاري، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله رأى فاطمة عليها السلام وعليها كساء من أجلة الإبل، وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقالت: يارسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله عليه آلائه. فأنزل الله تعالى: "ولسوف يعطيك ربّك فترضى". هذا في البيت، فإذا خرج الزوج إلى الجهاد كانت الصدّيقة فاطمة خير مناصر و معين لزوجها بقلبها و بيدها، فإذا عاد من ساحة القتال كانت في انتظاره، هكذا روى الهيثميّ في (مجمع الزوائد)، والطوسيّ في (أماليه)، و الطبريّ في (تاريخه)، والشيخ المفيد في (الإرشاد) في غزوة أحد، إذ عاد أميرالمؤمنين عليه السلام إلى المدينة ملتحقاً برسول الله صلى الله عليه واله وقد خضب الدم يده الى كتفه ومعه ذوالفقار سيفه، فتناولته منه فاطمة وهو يقول لها: خذي هذا السيف فقد صدّقني اليوم، ثمّ أنشأ يخاطبها وقد طاب قلبه برؤيتها وهي في انتظاره:
أفاطم هاك السيف غير ذميم
فلست بر عديد ولا بمليم
لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد
وطاعة ربّ بالعباد عليم
فقال رسول الله لفاطمة: "خذيه يا فاطمة، فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش".