الحقيقة هي انه بقليل من التمعن يمكن الاستنتاج بان هناك ايادي خارجية وراء تاجيج هذه المظاهرات، استخدام الكاميرات المحمولة من قبل المتظاهرين وبث لقطاتها من قبل القنوات المدعومة سعوديا وتغطيتها على نطاق واسع من جهة، وتنظيم هذه التظاهرات بعد يوم على تصريحات رئيس الوزراء العراقي وتوجيهه اصابع الاتهام للكيان الصهيوني باستهداف مواقع ومقرات الحشد الشعبي من جهة اخرى، مؤشرات تثبت صوابية هذا التحليل.
في الواقع احدى الاهداف الاساسية لاقامة هذه التظاهرات والمحاولات الرامية لتمرير مشروع قتلى الاحتجاجات، هي حرف الراي العام عن تورط الكيان الصهيوني في الهجمات التي تعرض لها العراق خلال الاشهر الماضية، الامر الذي جاء بعد القيام بتحقيقات مسهبة وتم الاعلان عنه من قبل اعلى مصدر رسمي في العراق، اي رئيس الوزراء، رغم ان الكثير من المصادر والمسؤولين الرسميين وغير الرسميين كانوا قد اكدوا تورط الكيان الصهيوني بهذه الانتهاكات.
الاصرار الامريكي لالغاء الحشد الشعبي ومعارضة عبد المهدي لهذه الخطوة، ادت الى استياء الامريكيين والكيان الصهيوني.
النقطة المهمة هي ان الحشد الشعبي ورغم الضغوط التي تمارس من قبل امريكا، ليس فقط لم يتم الغاؤه بل إنه اصبح مشمولا بقانون اعادة الهيكل التنظيمي وتقرر بان يحتفظ بمهامه السابقة، فضلا عن تولي شخصية مناضلة اي "ابو مهدي المهندس" قيادة هذا التشكيل العسكري، وهذا الامر كان كافيا ليشكل ذريعة جديدة لتاجيج الحقد الامريكي الدفين ضد الشعب العراقي.
في الواقع ان نقل "عبد الوهاب الساعدي" من منصب رئيس جهاز مكافحة الارهاب من قبل عبد المهدي وتنسيبه الى وزارة الدفاع شكل ذريعة لامريكا لايصال رسالة الى عبد المهدي مفادها اولا انه سلك طريقا يتعارض مع تطلعها بشان الغاء الحشد الشعبي، ثانيا انه في حال اصراره على هذا التوجه فان عليه مواجهة مشاكل اكثر تعقيدا ومنها توديع الحكومة. هذا في حين ان العراق حكومة وشعبا وخلال الانتخابات الاخيرة رفع اكبر "لا" له بوجه امريكا.
في خضم الاوضاع الملتهبة التي يشهدها العراق خلال الايام الاخيرة بحجة نقل الساعدي (رغم ان هذا حق طبيعي لعبد المهدي ومؤشر واضح على انتمائه لامريكا)، توجد هناك محاولات مشبوهة لتأزيم العلاقات بين ايران والعراق عبر اثارة وتضخيم مسالة "القنصلية العراقية في مشهد"، لكن هذه المؤامرة تم احباطها في ضوء تحلي الجانبين العراقي والايراني باليقظة من جهة والتجربة الاخيرة والفاشلة التي كانت ترمي الى استغلال حادثة مطار مشهد اعلاميا.
بالامس كانت حادثة "البصرة" واليوم قصة "الساعدي"، فما الذي يخبئه الغد للعراق من فتن؟ هذا ما يجب أن ننتظر ونراه. لكن الامر المفروغ عنه هو ان معارضة امريكا لها ثمنها دائما، سواء للعراق وايران ومحور المقاومة وسائر احرار العالم.