الراوي: هذه الحلقة ينقلنا فيها كاتبها الاخ توفيق الى القرن الهجري الثاني وبداية القرن الهجري الثالث، في رحلة خيالية يحاور فيها جملة من اصحاب الامام الرضا ليعرفونا بما حفظوه من سيرته عليه السلام وشاهدوه من اخلاقياته.
توفيق: السلام عليك يا سيدي ابن ابي نصر، انت من اصحاب الامام الرضا(ع) ورواة حديثه ارجو منك ان تروي لي رواية اخرى حصلت لك مع الامام الرضا(ع).
ابن ابي نصر: حسناً يا ضيفنا العزيز (توفيق) ذات ليلة بعث اليَّ ابو الحسن الرضا(ع) بحمار الى بيتي فركبته واتيت اليه.. واقمت عنده(ع) الليل الى ان مضى منه ما شاء الله. فلما اردت ان انهض، لاعود الى بيتي قال لي(ع):
الرضا(ع): لا اراك تستطيع الرجوع الى المدينة يا احمد.
ابن ابي نصر: اجل يا مولاي.
الرضا(ع): بت عندنا الليلة واغدوا الى اهلك على بركة الله عز وجل.
ابن ابي نصر: افعل ذلك يا مولاي.
توفيق: بلا شك بت عند الامام الرضا(ع) تلك الليلة؟
ابن ابي نصر: نعم يا اخي.. بت عنده حيث قال الامام(ع) لجاريته: يا جارية افرشي له فراشي، واطرحي عليه ملحفتي التي انام فيها، وضعي تحت رأسه مخادي. فقلت في نفسي "من اصاب ما اصبت في ليلتي هذه، لقد جعل الله لي من المنزلة عنده واعطاني من الفخر ما لم يعط احداً من اصحابنا".
وما ان اتممت كلامي مع نفسي حتى التفت اليَّ ابو الحسن الرضا(ع) وقال لي:
الرضا(ع): لقد اصابك الفخر يا ابن ابي نصر، اليس كذلك؟
ابن ابي نصر: بلى والله يا مولاي، لقد اصابني الفخر.
الرضا(ع): يا احمد ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) اتى زيد بن صوحان في مرضه يعوده.. فافتخر ابن صوحان على الناس بذلك... يا احمد فلا تذهبن نفسك الى الفخر وتذلل لله عز وجل.
توفيق: ما اجمل التذلل لله عز وجل وما احلى التواضع لعباد الله تعالى. فان من تواضع لله رفعه.
ابن ابي نصر: نعم والله يا توفيق.
ان التواضع خصلة حميدة من خصال الانبياء لا سيما خاتمهم محمد(ص) والائمة من اهل بيته "عليهم السلام" وليشهد لهم بهذا القاصي والداني، العدو والصديق على حد سواء.
توفيق: يا عبد الله بن الصلت انت من رواة الحديث للامام الرضا(ع) هل تروي لي عن خصلة التواضع التي كان يتمتع بها الانبياء وخاتمهم محمد(ص) والائمة من اهل بيته "عليهم السلام".
عبد الله بن الصلت: نعم يا بني، كان الامام الرضا(ع) في سفره الى خراسان فدعا يوماً بمائدة له.. فجمع عليها مواليه من السردان وغيرهم فقال احد اصحاب الامام(ع).
الرجل۱: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة.
الرضا(ع): مه "اسكت" ان الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة، والاب واحد. والجزاء بالاعمال.
الرجل۱: صحيح والله كنت على خطأ.
عبد الله بن الصلت: اتذكر ان ياسر خادم الامام الرضا(ع) قال لي بان الامام(ع) ذات يوم امر مواليه في البيت حيث قال لهم:
الرضا(ع): ان قمت على رؤوسكم وانتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا.
رجل۱: هم يأكلون يا مولاي فيقول:
الرضا(ع): دعوهم حتى يفرغوا.
عبد الله: هذه هي اخلاق الائمة المعصومين.
توفيق: ونعم الاخلاق.
توفيق: يا سيدي سليمان النوفلي انا الان بمحضرك في رحلتي هذه وانت من رواة حديث الامام الرضا(ع) هل تروي لي ما جرا بين المأمون والشاعر ابو نؤاس.
سليمان: نعم نعم يا بني ان المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا(ع) ولي عهده، قصده الشعراء من كل مكان يمدحونه ويصوبون رأي المأمون بجعله ولياً للعهد. فكان المأمون يصلهم باموال جمة على ما انشدوه من اشعار، الا الشاعر ابو نؤاس "الحسن بن هاني" فانه لم يقصده ولم يمدحه وذات يوم دخل ابو نؤاس على المأمون فقال له المأمون:
المأمون: يا ابا نؤاس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما اكرمته به. فلماذا اخرت مدحه وانت شاعر زمانك وقريع دهرك انشد ما عندك.
ابو نؤاس:
قيل لي انت اوحد الناسِ طراً
في فنونٍ من الكلامِ النبيهِ
لك من جوهر الكلام بديعٌ
يثمرُ الدرَّ في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى
والخصالِ التي تجمعنَ فيهِ
قلت لا اهتدي لمدحِ امامٍ
كان جبريل خادماً لأبيهِ
توفيق: عجيب هذا يا سيدي سليمان النوفلي.
الشاعر ابو نؤاس بشاعريته المغلقة وقريحته المفتحة لم يهتدِ الى سلم يرتقي به الى الوصول لمكارم وخصال هذه الشخصية الفذة للامام الرضا(ع) حيث وصل الى قناعة تامة بالسر الالهي المودع في شخصية امام كان جبريل(ع) خادماً لابيه رسول الله(ص). والامام الرضا(ع) كان يصرح للناس بان ما ناله هو وآباؤه من منزلة انما نالوه بالتقى وطاعة الله سبحانه وتعالى. (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم).
توفيق: وكما هو دأبي في طلب احاديث الامام ابي الحسن الرضا(ع) استقيها من أفواه رواتها وافمام ناقليها لنستفيض ببركاتها ونهتدي بهديها... راجياً من الله تعالى الاجر والثواب والعون على اتمام عملي الذي عبرت من اجله قروناً طواعن حتى وصلت زمن مولاي علي بن موسى الرضا(ع) شملني الله ببركاته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.
لذا قررت ان ادق ابواب الرواة باباً باباً لان العلم لا يأتي بل يؤتى إليه الا اللهم علم محمد وآل محمد "صلى الله عليهم اجمعين" فان علمهم من الله تعالى لانهم شجرة النبوة ومعدن العلم وموضع الرسالة ومختلف الملائكة.
فبينما انا ابحث عن بيت الحسن بن موسى الوشاء البغداي في الأزقة اذا صادفت صبياً جالساً على عتبة بابٍ فسألته عن بيت الوشاء فقادني الى احد ازقة واشار الى باب خشبي قديم وقال لي هذا هو بيته وانصرف.
*******
داخل البيت...
الوشاء: اهلاً ومرحباً واخيراً وصل ضيفنا العزيز.
توفيق: السلام عليكم.
الوشاء: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. اهلاً ومرحباً بك تفضل يا ضيفنا العزيز .. تفضل .. تفضل ...
الوشاء: اعرفك على اخي في الله الحسن بن الجهم، هو ايضاً من اصحاب مولانا ابي الحسن الرضا(ع) ورواة حديثه.
توفيق: السلام عليكم يا سيدي الحسن بن الجهم ... نعم ... نعم ... تذكرت اني رأيته ذات مرة في مجلس مولاي ابي الحسن. كيف حالك سيدي.
الحسن: نحمد الله على كل حال يا اخي .. بارك الله فيك.
توفيق: وبارك فيكما ايضاً يا صاحبي مولاي ابي الحسن.
الوشاء: قدمك علينا خير ان شاء الله.
توفيق: (يا سيدي الوشاء وددت لو تحدثني عن روايتك لحديث الامام الرضا(ع) مع اخيه زيد بن موسى بن جعفر).
الوشاء: على الرحب والسعة يا ولدي .. سأحدثك بما تريد كنت بخراسان مع الامام علي بن موسى الرضا(ع) في مجلسه وعنده قوم يحدثهم ... فاقبل زيد على جماعة في المجلس واخذ يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن .. فلما سمع الامام(ع) مقالة زيد التفت اليه وقال:
الامام الرضا(ع): يا زيد، أغرّك قول ناقلي الكوفة ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار؟ فوالله ما ذلك الا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة. واما ان يكون موسى بن جعفر(ع) يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله، وتعصيه انت. ثم تجيئان يوم القيامة سواء؟ لانت اذن اعزُّ على الله منه.
اسمع يا زيد ان علي بن الحسين(ع) كان يقول: لمحسننا كفلان من الأجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب.
توفيق: يا سيدي الوشاء اني أرى في حديث الامام(ع) تعنيفاً شديداً لاخيه زيد على معصيته لله تعالى.
الوشاء: نعم يا ولدي جرى ذلك عدة مرات وفي مواقف اخرى ... وهذا اخي الحسن بن الجهم سيروي لك ما رآه وسمعه بهذا الخصوص.
توفيق"بتلهف": تفضل يا سيدي أروِ لنا ما عندك وسأكون لكما من الشاكرين.
الحسن: ذات يوم كنت عند الامام الرضا(ع) وعنده اخوه زيد بن موسى وهو يقول له:
الرضا(ع): يا زيد آتقِ الله فانّا بلغنا ما بلغنا بالتقوى. فمن لم يتقِ الله ولم يراقبه، فليس منّا ولسنا منه.. يا زيد اياك ان تهين من به تصول من شيعتنا فيذهب نورك ... يا زيد ان شيعتنا انما ابغضهم الناس وعادوهم واستحلوا دماءهم وأموالهم لمحبتهم لنا واعتقادهم لولايتنا...
الرضا(ع): يا بن الجهم من خالف دين الله فأبرأ منه كائناً من كان ومن عادى الله فلا تواله كائناً من كان.
الحسن: يا بن رسول الله، ومن ذا الذي يعادِ الله؟
الرضا(ع): من يعصيه.
*******