عندما دعا حبيب بن مظاهر، قومه بني اسد لنصرة الحسين ـ عليه السَّلام ـ نهض الشهيد الغيور عبدالله بن بشير الاسدي، ملبيا ومرتجزا بقوله:
قد علم القوم اذا تواكلوا
واحجم الفرسان او تناضلوا
اني شجاع بطل مقاتل
كأنني ليث عرين باسل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الذي زرع في قلوبنا حب الحسين وازكى الصلاة وأشرف السلام على محمد واله الطاهرين. السلام عليكم اخوتنا الاعزة الاكارم ورحمة ألله وبركاته، واجزل الله لكم الثواب، بما أجري في قلوبكم من ذلك المصاب، مصاب ال الرسول في كربلاء، بفجيعة الطف يوم عاشوراء الذي كان يوما مشهودا من ايام الله تبارك وتعالى، اقتتل فيه الحق والباطل، فجاء الحق الحسيني ظافرا وزهق الباطل، وتعالت فيه الكلمات والخطب، فكانت كلمة الحسين هي العليا، لانها بكلمة الله فاهت، وبقيت كلمة الظالمين هي السفلى، لأنها عن نفس الشيطان انبثقت. وكان للشعر أيها الاخوة الافاضل حضور ايضا في الطف، بل وفي الطريق الى الطف، عبر عما كنته الضمائر والقلوب والافكار، من خلال الحناجر الناطقة، فاذا كان الشعر من قبل غاية للمجون والتفاخر المتكبر، فقد حوله الاسلام الى وسيلة غايتها مقدسة، هي تلك الغاية التبليغية البيانية، تعرض من خلالها العقائد الحقة، وترغب في الاخلاق السامية، وتنتصر للحق وتدمغ الباطل، وتدعو الى الخير والصلاح والاصلاح والفضيلة، وتحذر من الشر والفساد، وتجابه الظلم مهما طغي اهله، وتمجد العدل مهما جهل عليه وظلم اهله.
ايها الاخوة المومنون ….جاء في كتاب (المحاسن والمساويء) للبيهقي، و(أعيان آلشيعة) للسيد محسن الامين، نسبة هذه الارجوزة لكعب بن زهير المازني، المتوفي سنة خمس وأربعين من الهجرة النبويية الشريفة، قالها في الامام الحسين _سلام الله عليه_ وهو في اوائل عمره المبارك:
مسح النبي جبينه
فله بياض في الخدود
وبوجهه ديباجة
كرم النبوة والجدود
قيل: لعل المازني، أراد بالبياض ذلك النور االنبوي الذي كان يشع من وجه أبي عبدالله ـ عليه السَّلام ـ اما الديباجة ديباجة الوجه فهي حسن البشرة التي ارتسمت عليها علامات كرم النبوة..وأي كرم ذلك الذي ظهر من سيد الشهداء ـ عليه السَّلام ـ يوم كربلاء، وقد قيم بين يدي الله تعالى فلذات كبده من الاولاد والاخوة وذوي الارحام، واعزة اصحابه من المخلصين الاوصياء، ثم قدم نفسه القدسية الزكية لله تعالي. وبيتا هذه الأرجوزة تخبر الناس ان الحسين وريث النبوة المحمدية التي شعت نورا إلهيا سطع في محيا ابي عبدالله الحسين، فهل من منكر، أو متناكر ؟! واذا تغالط القوم مع أنفسهم والحقائق البينة، فقد دوى صوت الحسين في ساحة كربلاء قبل الاشتباك يوم عاشوراء، مناديا عليهم في خطبة بليغة له: "أيها الناس أنسبوني من أنا، ثم أرجعوا الي انفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي. ألست أبن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول المومنين بالله والمصدقين لرسوله بما جاء من عند ربه …..أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: "هذان سيدا شباب اهل الجنة" ؟! وقبل ذلك كان الامام الحسين ـ عليه السَّلام ـ لما خرج من الحجاز يريد العراق، خلا الجو لعبدالله بن الزبير، فانتعش فيه امله المريض في التسلط علي المدينة وقد خلت من الحسين، وظهر عليه ذلك فاغتاظ عبدالله بن عباس، منه، فما كان الا ان انشد ارجوزته التي هجاه فيها، وانتصر للامام الحسين الذي خرج للاصلاح، فقال:
قد قلت لما ان وزيت معشري
يالك من قبَّرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري
قد رحل الصياد عنك فابشري
قد رفع الفخ فماذا تحذري
لابد من صيدك يوما فاصبري
هذا الحسين خارج فابشري
الى العراق راجيا للظفر
على يزيد إذْ اتي بمنكر
روى ذلك: الطبري في (تاريخه)، وابن الأعثم الكوفي في (الفتوح)، والمسعودي في (مروج الذهب)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهخمة)، والخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين).
ويبدو ايها الاخوة الاحبة أن الناس قد علموا، أو أعلموا… من هو الحسين، وماذا وراء خروج الحسين، فتعسا لمن خذل الحسين! وأسفا وحسرة على من عجز عن الانضمام الى ركب الحسين…وقد قال في ذلك أحدهم:
ولما تبدت للرحيل جمالهم
وجدت بها الحادي ففاضت مدامع
فقلت: الهي كن عليه خليفة
فيارب ما خابت اليك الودائع
عسى من قضى بالبعد بيني وبينكم
يجمعنا والقلب في ذلك طامع
مضوا واختفوا عني وسرت بحسرتي
انوح وابكي بعدما القلب هاجع
رعى الله اياما تقضت بقربهم
وحتى زمانا وهو للشمل جامع
لقد ضاق صبري حين فارقت ركبهم
فياليت للحسين مراجع
وقد كتب البلاذري في (انساب الاشراف)، وابن الاكثم في (الفتوح) وكذا الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين _عليه السَّلام_) …ان حبيب بن مظاهر الاسدي، حين قدم على قومه من بني اسد يدعوهم الى نصرة الامام ابي عبدالله الحسين _عليه السَّلام_ وثب منهم بطل غيور اسمه ((عبدالله بن بشر او بشير الأسدي)) قائلا لحبيب: أنا اول من يجيب الى هذه الدعوة. ثم لم يصبر عبدالله الاسدي هذا حتى قام يرتجز هذه الابيات، يشجع الآخرين ويثير غيرتهم، ويعلن اقدامه بشجاعة المؤمن المقداد، قائلا:
قد علم القوم اذا تواكلوا
واحجم الفرسان أو تناضلوا
اني شجاع بطل مقاتل
كانني ليث عرين باسل
ايها الاخوة والاخوات: والقيمة المحورية التي يخلدها رجز هذا النصير الحسيني الغيور هي ان تخاذل المتخاذلين ومهما كثروا لا ينبغي ان يفت في عضد المؤمن الصادق أو يضعف عزمه في نصرة الدين الحق والامام الحق. وبتسجيل هذه الملاحظة ننهي سابعة حلقات برنامج هدير الملاحم وهي تأتيكم من اذاعة طهران شكرا لكم والسَّلام عليكم.