نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) حيث يتلى بعد فريضة العصر من يوم الجمعة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول: (وطهرته من الرجس، ونقيته من الدنس)، أي ان الله تعالى قد طهر الامام المهدي(ع) من الرجس ونقاه من الدنس، وهاتان العبارتان تعنيان دلالات واضحة ولكنهما ايضاً تتطلبان قسطاً من الاضاءة لنكاتهما، وهذا ما نبدأ به الآن ... طبيعياً كلنا قرأ الآية القرآنية الكريمة التي تقول عن النبي(ص) واهل بيته عليهم السلام«انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ... هذه الدلالة التي تتضمنها الآية الكريمة قد استثمرها الدعاء وجعلها تضميناً او اقتباساً له اهميته الكبيرة في بسط المعاني وتوشيجها بدلالات اضافية تبلور لنا مفهوم التطهير الذي يطال اهل البيت عليهم السلام ويحصره في شخصياتهم الطاهرة، ومما لا شك فيه ان الامام المهدي(ع) هو الامام الذي ختمت الامامة به ممتدة اليه طوال العهد الذي عهده الرسول(ص) الى اهل بيته عليهم السلام وقرنهم بالقرآن الكريم الذي نطق بهذه الحقيقة حينما المح الى التطهير كما لاحظنا ...
والآن خارجاً عن الاقتباس المذكور يعنينا ان نتبين النكات الكامنة وراء تلك الفقرتين القائلتين ان الله طهر الامام المهدي(ع) من الرجس، ونقاه من الدنس فماذا نستخلص؟
التطهير او الانقاء يحملان دلالتين مشتركتين ومفترقتين في آن واحد كما ان كلاً من الرجس والدنس يحملان بدورهما دلالتين مشتركتين ومفترقتين في آن واحد والمطلوب هو ملاحظة النكات المرتبطة بالعبارتين المتقدمتين.
وقد نضطر الى ترديد كلام طالما كررناه ونرجو منك الا تمل منه، وهو ان النص الشرعي كتاباً كان او كلاماً يقرره النبي(ص) واهل بيته يتميز بكونه معصوماً من الخطأ والعبث ونحوهما لذلك فان الدعاء المذكور حينما يقرر بان الله تعالى طهر الامام(ع) من الرجس، ونقاه من الدنس فانما يقرر حقائق واقعية لا مبالغة فيها.
وللمرة الجديدة نتساءل قائلين ماذا نستخلص من العبارتين المتقدمتين؟
ان التطهير معناه ازالة ما هو نجس من الظواهر او الاشياء واما الانقاء فهو التصفية او التنقية لما هو مختلط من الكدر في الشيء او الظاهرة فاذا افترضنا ان اناءً قد تنجس بمادة ما فان التطهير له يعني غسله بالماء، واما الانقاء فيعني ازالة ما علق به من المادة واذا نقلنا الحقيقة الحسية المذكورة الى الحقيقة المعنوية المرتبطة بشخصية الامام(ع) يكون الاستخلاص هو طهارة نفسيته ونقاؤها من الذنب والخطأ بصفة ان الذنب والخطأ هما السلوك المعنوي السلبي حيث عصم الله تعالى النبي(ص) وأهل بيته عليهم السلام منه.
وهذا فيما يتصل بالتطهير وبالانقاء وما يرمز اليه من الدلالة ولكن ماذا بالنسبة الى الرجس والدنس ودلالتهما؟
ان الرجس والدنس يرمز اولهما الى ما هو قذر والاخر الى ما هو عيب، وهذا ما يتماثل مع الذنب والخطأ فالذنب هو ممارسة غير مشروعة من الوجهة الحكيمة أي ما يجسد عملاً يعاقب عليه الشخص اما الخطأ فهو ممارسة لا تقترن دواماً بما هو ذنب بقدر ما تقترن بما هو معيب، ولذلك فان الدعاء يشير الى ان الله تعالى جعل النبي(ص) وأهل بيته ومنهم الامام المهدي(ع) سالمين من كل ما يشكل سمة سلبية سواء كانت على مستوى الذنب او الخطأ وهذا هو منتهى العصمة.
اذن تبين لنا دلالة ما المح الدعاء اليه من ان الله تعالى قد طهر الامام من الرجس ونقاه من الدنس، والمهم هو ان نوفق الى الالتزام بالمبادئ التي رسمها الله تعالى وبالتمسك بكتابه الكريم، وبعترة النبي الطاهرة عليهم السلام ومن ثم ممارسة الطاعة بعامة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******