لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) حيث يتلى بعد فريضة العصر من يوم الجمعة ومطلق الازمنة او الاوقات وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يحقق بظهور الامام(ع) مبادئ الاسلام الحقة ثم يقول: (حتى لا يبقى حق الا ظهر، ولا عدل الا زهر، واجعلنا يا رب من اعوانه) هذا المقطع يتضمن الاشارة اولاً الى ظاهرتين هما ظهور الحق وازدهار العدل.
والسؤال هو ماذا نستلهم من العبارتين المذكورتين؟ هذا ما نحاول الاجابة عنه الآن ...
يلاحظ هنا ان الدعاء المذكور قد استخدم عبارة حتى لا يبقى حق الا ظهر، وهي عبارة حقيقية أي غير مجازية ولكنه عندما ذكر العدل استخدم عبارة استعارية هي ولا عدل الا زهر، لذلك يحسن بنا ان ننتبه على النكات الكامنة وراء ذلك حتى نصبح على وعي بما نقرأ من الكلمات.
بالنسبة الى عبارة حتى لا يبقى حق الا ظهر، نعتقد انها واضحة تماماً، حيث ان الحق قبل ظهور الامام(ع) لا ظهور له بل الباطل كما نلاحظ ذلك في سنواتنا المعاصرة هو المسيطر على الساحة حتى ان المبادئ الاسلامية الحقة وهي المتمثلة في ما رسمه الله تعالى والنبي(ص) واهل البيت عليهم السلام مستهدفة من مختلف القوى المنحرفة فيما تحاول التعتيم عليها ومحاربتها والحاق الاذى بمعتنقيها حيث نلاحظ اشكال التعذيب والتمثيل والتهجير والقتل و...ألخ، تمارس حيال المنتسبين للمذهب الحق لذلك فان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يظهر الحق على يد الامام(ع) بعد ان عتم عليه اعداء أهل البيت عليهم السلام وبكلمة اكثر وضوحاً ان فقرة الدعاء تستهدف الاشارة الى ان الحق بجميع جوانبه بحيث لا يخفى شيء منه هو ما نتطلع اليه عند ظهور الامام(ع).
ونتجه الى العبارة الثانية وهي العبارة الاستعارية القائلة ولا عدل الا زهر، هذه العبارة تنطوي على نكتة مهمة وهي ان الدعاء المذكور كان بمقدوره ان يقول مثلاً ولا عدل الا ظهر كما هو طابع العبارة الاولى عبارة حتى لا يبقى حق الا ظهر فلماذا استخدم الامام(ع) مصطلح ازدهار العدل وهو عبارة استعارية؟ في تصورنا ان العدل يختلف عن الحق في كونه تتويجاً لظاهرة الحق أي ان الحق عندما يظهر تاماً لا خفاء فيه عندئذ فان العدل هو التتويج او النتيجة او الحصيلة الاكثر بروزاً لتجسيد الحق ولذلك استخدم الدعاء عبارة ازهر لتجسيد الدلالة المذكورة بصفة ان زهر معناها صفاء وتلألأ وحسن منظره فاصبح له رونق خاص وهذا ما ينسحب على مفهوم العدل لان العدل هو المساواة التامة بين الافراد والجماعات في الحقوق المشتركة بينهم وهو وضع الشيء في محله وعدم التفريط بأية حقوق متصدرة وهذا يعني ان العدل ظاهرة من الصعب ان تتحقق بهذه الصورة في المجتمعات العلمانية على العكس من ذلك بالنسبة الى مجتمع الامام المهدي(ع) حيث ان العدل كما هو ملاحظ في غالبية الادعية المرتبطة بظهور الامام المهدي(ع) يظل هو الكلمة الاشد بروزاً ويقابلها الجور او الظلم، مما يعني ان ظهور الامام(ع) يقترن اساساً باظهار العدل والقسط مقابل الظلم والجور السائر في المجتمعات.
اذن الاشارة الى ازدهار العدل تظل متصلة بنكتة دلالية مهمة هي بلورة مفهوم العدل وتطبيقه بادق ما يتطلبه الموقف في عصر الظهور.
بعدما تقدم نواجه مقطعاً جديداً هو التوسل بالله تعالى بان نكون من اعوان الامام(ع) في حركته الاصلاحية وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اما الان فحسبنا ان نتوسل بالله تعالى بان يجعلنا فعلاً من اعوان الامام(ع) وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******