نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) وهو احد الادعية الخاصة بعد فريضة العصر من يوم الجمعة وقد حدثناك عن مقاطعه متسلسلة ووصلنا من ذلك الى مقطع يقول: (اللهم واحيي بوليك القرآن وارنا نوره سرمداً لا ليل فيه)، ثم يقول: (واحيي به القلوب الميتة واشف الصدور الوغرة، واجمع به الاهواء المختلفة على الحق).
هذا المقطع من الدعاء يتضمن ثلاثة توسلات خاصة بالمؤمنين وليس بالاعداء حيث من الممكن ان توحي العبارة الاولى ومنه مثلاً هي احيي به القلوب الميتة، او العبارة الاخيرة مثلاً وهي واجمع به الاهواء المختلفة، توحي بما هو كذلك بل ان النص يعالج سلوكاً من الممكن ان يصدر من المؤمنين وهم غير معصومين، المهم يجدر بنا الان ملاحظة هذا المقطع ونبدأ بفقرته الاولى وهي واحيي به القلوب الميتة، من البين ان الشخصية الاسلامية بصفتها غير معصومة من الممكن صدور المعصية او الخطأ عنها من هنا فان الدعاء ونحوه والتوبة ونحوها والوعي والتذكر تسهم جميعاً في نقل الشخصية من المعصية والخطأ الى السلوك الايجابي لذلك فان الدعاء توسل اولاً بالله تعالى بان يحيي بالقرآن الكريم القلوب الميتة والسؤال ماذا نستلهم من العبارة الاستعارية المذكورة؟
الميت من القلوب يعني القلب الذي لا ينفعل بما يقرأ او بما يسمع او بما يرى من الآيات التي تدله على ممارسة السلوك الصائب لذلك فان القلب الميت عندما يقرأ القرآن مثلاً لا يتعظ بما فيه ولنضرب مثلاً على ذلك، القرآن الكريم يقول ولا يغتب بعضهم بعضاً ويقول الذين هم على صلواتهم يحافظون ويقول المال والبنون زينة الحياة الدنيا، هنا كيف ينسحب القلب الميت على القارئ للقرآن أي للآيات الثلاث المتقدمة فمع انه يواجه عبارة ولا يغتب بعضهم بعضاً نجده يمارس السلوك المنهي عنه فيستغيب وكذلك لا يحافظ على صلاته بل يضيعها فلا يصليها في اول وقتها وكذلك لا يتعظ بزينة الحياة الدنيا حيث يتشبث بها، فيعنى بالمال، ويجمعه ويحرص عليه، من هنا فان الدعاء حينما يتوسل بالله تعالى بان يحيي القلوب الميتة بقراءة القرآن وتدبره انما يعني ان يتأثر القارئ فعلاً بقراءته للآيات فيعدل سلوكه.
ونتجه الى العبارة بعدها أي العبارة القائلة واشف به الصدور الوغرة، هنا ينبغي علينا ان نوضح دلالة هذه العبارة اشف به الصدور الوغرة فماذا تعني؟ الصدور الوغرة معناها الصدور المتقدة من الغيظ وهذا ما نلمسه فعلاً لدى الشخصيات المؤمنة بنحو غالب او نادر ونعني به ما يحمله الشخص تجاه الاخر من غيظ او حقد او توتر بسبب ما يصدر من هذا الطرف او ذاك من سلوك سلبي او بسبب عدم الوعي التام بما ينبغي ان تكون عليه الشخصية الاسلامية من وعي بمبادئها كالعفو او الاحسان او كظم الغيظ او التسامح ولذلك فان التوتر الحاصل بين المؤمنين يظل سلوكاً غير مقبول بل لابد وان يتحمل كل طرف اذن الاخر، ويحاول عدم ايذائه للآخر وهكذا ومما لاشك فيه ان قراءة القرآن الكريم بوعي وتدبر تسوق الشخصية الى تعديل سلوكها حيث تطفح الآيات القرآنية الكريمة بالتوصيات النادبة الى العفو والصفح والتنازل عن الذات بكل اشكاله كما هو واضح.
اذن امكننا ان نتبين الى الان ما تعنيه العبارة المتوسلة بالله تعالى بان يحيي بالقرآن القلوب الميتة وان يزيل الاحقاد في القلوب حيال المؤمنين بعضهم مع الآخر كما سنلاحظ توسلاً ثالثاً هو ان يجمع القرآن بين اهوائنا المختلفة وهو ما نحدثك لاحقاً عنه ان شاء الله تعالى وحسبنا ان نوفق الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******