نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات المتنوعة وما تفرزه من المعرفة العبادية في ميدان الاخلاق والاحكام والعقائد، ومن ذلك دعاء الغيبة وهو دعاء يقرأ بعد فريضة العصر من يوم الجمعة لندب شخصية العصر والامام المهدي(ع)...
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ووصلنا بك الى مقطع يقول عن الامام عبر توسلنا بالله تعالى «واطلعته على الغيوب، وطهرته من الرجس، ونقيته من الدنس».
هنا نلاحظ في العبارات المتقدمة اولاً العبارة الذاهبة الى ان الله تعالى اطلع عبده على الغيب فماذا تعني هذه العبارة .. طبيعياً الوقوف على عالم الغيب يختلف عن عالم الشهادة ولكن المهم هو ان الغيب ينظر اليه من زوايا متنوعة من حيث الرؤية او السماع او كلا الامرين. بيد ان التعامل على الغيب بعامة يختلف في مستوياته من حيث الدرجة العبادية للانسان، فالمعصوم مثلاً كالنبي(ص) والائمة عليهم السلام يتعاملون مع الغيب بنحو يختلف عن تعامل العاديون من البشر، والعاديون بدورهم يختلف فيهم العارف مثلاً عن العابد فحسب وما يعنينا الآن هو ان الله تعالى قد اطلع عبده على الغيوب تبعاً للعبارة التي لاحظناها الآن وهي (واطلعته على الغيوب) ...
هنا يحسن بنا ان نذكر قارئ الدعاء بالآية القرآنية الكريمة القائلة «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احداً / الا من ارتضى» .. هذه الآية المباركة تحسم لنا كل شيء حيث تشير بوضوح الى ان الله تعالى اذا ارتضى عبداً فانه يطلعه على ذلك والدعاء الذي نتحدث عنه الآن قد ورد فيه مثل العبارة المتقدمة عبارة تقول (وارتضيته لنصر دينك)، ان الله تعالى قد ارتضى المهدي(ع) لنصر دينه، عبر زمن ظهوره(ع) واضطلاعه بالمهمة الاصلاحية للعالم. وها هو يقول ايضاً انه تعالى قد اطلعه على الغيوب وهذا يعني تبعاً لما ورد في القرآن الكريم وما ورد في الدعاء المتناسق والمتناغم مع الدلالة القرآنية في جعل الغيب والاطلاع عليه، احد ملامح شخصية الامام المهدي(ع) حيث ان اطلاعه على الغيب يسهم ـ بلا شك ـ في بلورة مهمته الاصلاحية الموعود بها ...
بعد ذلك نواجه عبارة تقول (وانعمت عليه) هذه العبارة نعتقد بان الاضاءة لمدلولها يفرض علينا ملاحظتها بدقة وهو ما نبدأ به الآن.
من الواضح ان الله تعالى هو المنعم على عباده في مختلف الصعد والانعام قد يكون روحياً وقد يكون مادياً، بيد ان الانعام بمعنى اعطاء او معطى الايمان، في درجته العليا هو المستهدف بلا شك ان الله تعالى طالما يؤكد بانه تعالى حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الفسوق والعصيان، وهذا على المستوى البشري العام اما على المستوى المعنوي وهو ما يختص به المعصومون والانبياء واوصياؤهم فان الامر يتصاعد الى اعلى درجاته كما هو واضح.
واذ نعود الى ما نحن بصدده وهو شخصية الامام المهدي(ع) لملاحظة العبارة الواردة في التعريف بشخصيته(ع) من ان الله تعالى(اطلعه على الغيوب وانعم عليه) فهذا يعني انه تعالى منح هذه الشخصية مهمة لها خطورتها في ميدان التبليغ لرسالة السماء فكما ان الانبياء والرسل بعامة يضطلعون بهذه المهمة وفي مقدمتهم النبي(ص) كذلك فان النبي(ص) حينما يستخلف ائمة لمواصلة اداء الرسالة فان الاختتام باخرهم وهو الامام المهدي(ع) يظل صرحاً ملحوظاً لاستمرارية الاداء الرسالي متمثلاً في وراثة الارض للاسلاميين تبعاً لوعده تعالى.
اخيراً نسأله تعالى ان يوفقنا لان ننضوي تحت لواء الامام(ع) في مهمته الاصلاحية وان يرزقنا الشهادة خلال ذلك وان يوفقنا بعامة لممارسة دورنا العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******