لا نزال نتحدث عن الادعية وما تتضمنه من نكات متنوعة ومعطيات مختلفة في ميدان الاخلاق والاحكام والعقائد، ومن ذلك دعاء الغيبة وهو دعاء يقرأ بعد الفريضة من عصر الجمعة لندب شخصية العصر الامام المهدي(ع)، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يمتدح امام العصر(ع) من حيث اداؤه لمهمته الاصلاحية، ومن حيث طبيعة شخصيته الطاهرة حيث ورد من خلال التوسل بالله تعالى بان يحفظه من السوء عبر المخاطبة مع الله تعالى «وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب، واطلعته على الغيوب» ...
هذا المقطع ـ كما نلاحظ ـ مع كونه واضحاً في دلالته الا انه ينطوي على نكات يجدر بنا الوقوف عندها وهذا ما نبدأ به الآن..هنا نلحظ عبارتين متماثلتين في دلالتهما هما العصمة من الذنب والبراءة من العيب، حيث قال الدعاء عن الامام المهدي(ع) من خلال التوجه الى الله تعالى عصمته من الذنوب وبرأته من العيوب ... والسؤال ما هو الفارق بين الذنب وبين العيب؟ ثم ما هو الفارق بين العصمة وبين التبرئة؟... بالنسبة الى السؤال الاول، يمكننا الذهاب الى ان الذنب يرتبط دائماً بما هو سلوك منحرف عن مبادئ الشريعة بينما العيب قد يتجاوز ذلك الى مطلق السلوك بحيث يتناول السلوك الفكري ايضاً (كمن يخطئ في فهم موضوع ما) مثلاً فيما لا علاقة له بالذنب.
وفي ضوء هذا الفارق بين الذنب والعيب يمكننا ان نصل الى النتيجة الآتية: بالنسبة الى الشخصية العادية فان الذنب او العيب كالخطأ في الفكر يعدان امراً مألوفاً ولكن بالنسبة الى الانبياء والائمة عليهم السلام فان الامر يختلف تماماً، ان المعصومين عليهم السلام منزهين من الذنب ومن العيب أي لا يصدر منهم سلوك منحرف من مبادئ الله تعالى ولا يصدر منهم سلوك ذهني هو الخطأ والسر وراء ذلك هو ان المنحرف عن مبادئ الله تعالى لا يمكنه ان يصبح نموذجاً لاداء الرسالة التي اوكلها تعالى اليه لذلك لابد وان يكون معصوماً من الذنب حتى يصبح نموذجاً.
والامر كذلك بالنسبة الى الخطأ الذهني حيث ان الذي يضطلع باداء الرسالة اذا احتملنا صدور الخطأ عنه كالنسيان او الاستخلاص الذهني المخطئ حينئذ لا يطمئن الاخر اليه في تصويب ما يصدر عنه من الاحكام او التوصيات ...الخ.
اذن لا مناص من العصمة من الذنب والبراءة من العيب بالنسبة الى من يضطلع بمهمة اداء الرسالة.
يبقى ان نحدثك اخيراً عن الفارق بين العصمة من الذنب والتبرءة من العيب من حيث الفارق بين مصطلحي العصمة والتبرئة فما هو الفارق؟
العصمة من الذنب هي المنعة والامتناع والتحصين وما يماثلها من القابلية على عدم وقوع الشخصية في السلوك السلبي... واما التبرئة او البراءة او البرء فمعناها التخلص والسلامة من الوقوع في الخطأ كمن يسلم من الوقوع في مفارقات ذهنية كالنسيان وعدم الذكاء، وخطأ الاستدلال.
وفي ضوء ذلك جميعاً تكون النتيجة هي ان الامام المهدي(ع) معصوم من الذنب وسالم من العيب.
اخيراً نسأله تعالى ان يوفقنا الى المشاركة مع الامام عليه السلام في معركته الاصلاحية وان يوفقنا الى الالتزام بمبادئ الله تعالى والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******