لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناكم عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثكم الآن عن مقطع ورد فيه: (يا خالق، يا فارق، يا فاتق، يا راتق، ...).
هذه المظاهر امتداد لما سبقها من الصفات التي لاحظناها (في لقاء سابق)، وهي: (يا خالق، يا رازق، يا ناطق، يا صادق) حيث اوضحنا تسلسل دلالاتها البادئة بان الله تعالي (خالق) ومن ثم هو (رازق) لعباده الذين خلقهم، حتي يستطيعوا مواصلة وظيفتهم العبادية التي خلق الله تعالي اياهم لممارستها، ثم انه تعالي (ناطق) لهم بكتابه وبشريعته التي رسم فيها وظيفتهم العبادية، ومن ثم فانه تعالي (صادق) فيما وعد عباده من الإثابة علي ممارستهم العبادية، هذه الصفات الاربع (خالق، رازق، ناطق، صادق) تكفلت بتوضيح ما المحنا اليه الآن، ثم جاءت العبارة او الصفة الجديدة وهي (يا خالق) لتحدد لنا مظهراً جديداً.
ان قاريء الدعاء سوف يتساءل عن دلالة ما تعنيه كلمة (خالق)، وصلتها بما قبلها؟
الجواب: ان (الخالق) كما ورد في النصوص المفسرّة هو: (الذي خلق الارحام فانشقت عن الحيوان، وخلق الْحَبِّ وَالنَّوَى، فانفلقت عن النبات، وخلق الارض فانفلقت عن كل شيء).
ان هذا النص الذي تحدث عن عبارة (يا خالق) حيث اضطلع بتوضيحه احد الاولياء، المعنيين بالدعاء، يحدد لنا صفة (يا خالق)من حيث تعدد ما خلقه الله تعالي من ارحام، وارض، ولكن السؤال هو: ما هي صلة هذه الصفة بماسبقها من جانب، وما لحقها وهي صفة (يا فارق) من جانب آخر؟
ان (فلق) معناه: شقّ او انشق الشيء، وحينما ينشق الشيء عن آخر كانشقاق الارحام عن المولود البشري مثلاً: حينئذ فان هذه الكلمة امتداد لكلمة (خالق) التي لاحظناها في اول مقطع الدعاء، حيث استهل بكلمة (خالق)، اذن ما الفارق بين الخالقوالفاتق؟
الجواب: ان (الخالق) هو مبدع الشيء من العدم، واما (الفاتق) فهو: مرحلة ثانية بعد الخلق، اي: ان الله تعالي (يخلق) البشر اولاً بنحو عام، ثم يحدثنا عن كيفية مراحل الخلق ثانياً، وهو ما يتمثل في انفلاق الشيء وتحوله الي شيء آخر، كانفلاق الحب او النوي من النبات مثلاً.
اذن كلمة (فالق) هي امتداد لكلمة (خالق).
والسؤال الجديد هو: ما نلاحظه من الصفة او المظهر المتمثل في كلمة (يا فارق). فماذا تعني هذه الصفة ؟
ان (فرق) معناها (فصل) بين شيئين، ولذا وردت كلمة (الْفُرْقَانَ) مثلاً لتحدد لنا احد معاني او أسماء القرآن الكريم، ليشير الي ان القرآن الكريم هو الفاصل بين ما هو (حَقُّ) وبين ما هو (بَاطِلُ)، كذلك، فان مقطع الدعاء الذي حدثنا عن ان الله تعالي خالق كل شيء، فان انفلاق ذلك سواءاً كان يتصل بالبشر، او النبات، أو مطلق الشيء: يعني انه منطوٍ علي ما هو (حَقُّ) وليس باطلاً. ألم يقل الله تعالي في كتابه المجيد علي لسان الداعي «مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً»؟ وغيره من الآيات الكريمة المشيرة الي ان الله تعالي لم يخلق الوجود الّا حقا وليس باطلاً، اذن جاءت عبارة (يا فارق) محددةً لكلمة (يا خالق) بالنحو الذي اوضحناه.
والأمر كذلك حينما نتابع الصفات اللاحقة مثل: (يا فاتق، يا راتق، ...)، حيث حدثنا القرآن الكريم عن هاتين الظاهرتين (الفتق والرتق) بالنحو الذي سنحدثك عن ذلك لاحقاً ان شاء الله تعالي.
*******