نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تنطوي عليه من بلاغة فائقة ومن ذلك ما حدثناكم عنه في لقاءات سابقة الا وهو دعاء الصباح للأمام علي(ع)، حيث عرضنا جملة مقاطع منه، وها نحن نقدم مقطعاً جديداً حدثناكم ايضاً عن بعض فقراته في لقاءات سابقة ونحدثكم عن فقرة جديدة منه وهي قوله(ع) في التمجيد بعظمة الله تعالى في ابداعه للمطر وللشمس والقمر، يقول الدعاء (وانزلت من المعصرات ماءاً ثجاجاً وجعلت الشمس والقمر للبرية سراجاً وهاجاً...)، وقبل ان نحدثكم عن الصياغة البلاغية لهذه الفقرات، يجدر بنا تذكيركم بان الادعية ليست منحصرة في المناجاة او التواصل الروحي فحسب، بل تتناول مفردات معرفية كبيرة في ميدان السلوك الفردي والاجتماعي فضلاً عن تذكيرك بعظمة الله في الابداع الكوني بعامة ومنه الموضوعات التي وردت في مقطع الدعاء المذكور وهي مفردة المطر والشمس والقمر ...
هنا يمكنكم ان تقولوا مثلاً هل ان الحديث عن الظواهر المتقدمة تتطلب تفسيراً مع وضوح الموضوع تماماً حيث يعرف الجميع ان المطر والشمس والقمر لها معطياتها المتنوعة؟..
ونجيبك بالايجاب وهو ما نعتزم الحديث عنه الآن ... بالنسبة الى الفقرة الاولى او الظاهرة الابداعية الاولى وهي المطر نجد ان الدعاء قد اقتبس من النص القرآني الكريم عبارة (وانزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً)، حيث ان الآية القرآنية الكريمة وردت في سورة النبأ بهذا النحو (وانزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً)... أي نفس الآية مع ابدال كلمة "انزلنا" بكلمة "انزلت"...
والسؤال المهم هو لماذا عبر النص القرآني الكريم ومن ثم نص الدعاء عن الظاهرة المذكورة بعبارة "والمعصرات" "وماءً ثجاجاً"، بدلاً من كلمة "المطر" مثلاً او كما ورد في مكان اخر مثلاً والذي نزَّل من السماء ماءً بقدر ...؟.
في تصورنا ان جملة نكات تكمن هنا وهي تخضع لعملية تذوق فحسب، والا فان النصوص المفسرة لا تشير الى اكثر من التفسير اللغوي للآية الكريمة وهي ان "المعصرات" هي "السحب" وان "الثجاج" هو الماء الدفاع في انصبابه.
ولكن كما قلنا هل لنا من خلال تذوقنا وهو خاضع للخطأ والصواب ان نستكشف جانباً من نكات النص المتقدم؟ فماذا نستخلص اذن؟
في تصورنا ان النص يتحدث عن عطاءات الله تعالى اتساقاً مع موصوعات المقطع التي تقول بان الله تعالى فلق الفلق بلطفه، وانار الظلمات بكرمه الخ. كذلك هنا يشير النص الى احد عطاءاته تعالى وهو انزال المطر .. ولكن ماذا يقترن مع انزال المطر؟ الآيات القرآنية الكريمة التي وردت بعد آية (وانزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً) تقول (لنخرج به حباً ونباتاً وجنات الفافاً)...
اذن: واضح ان العطاءات تتمثل في الحب والنبات والجنات ذات الخصوصية الغذائية والجمالية.
وفي ضوء هذه الحقيقة الا يمكن الذهاب الى ان النص عندما ينتخب مفردة المعصرات بدلاً من السحاب، وينتخب مفردة ثجاجاً بدلاً من الماء العادي انما يجعل اذهاننا تتداعى الى معان ثانوية هي بما ان السحب تحمل الماء، ثم تعصر الرياح الماء المذكور وترسله دفاعاً متدفقاً فهذا يعني ان عملية حمل السحاب للماء تتناسب مع عملية حمل الارض للنبات وان الماء الثجاج وهو المتدفق والدفاع يتناسب مع ضخامة المعطى من جانب ومع كونه يتسبب في ايناع الزرع بالنحو الكثير نظراً لارتوائه بالماء الغزير.
وهذا الاستخلاص يظل كما اشرنا مجرد تذوق من قارئ النص القرآني والدعائي ولكنه خاضع للصواب او الخطأ كما قلنا ولكنه بعامة يترك لنا مجالاً للتفكير بعظمة الله وكشف الكثير من نعمه التي لا تحصى.
اخيراً: ينبغي الا نغفل عن ضرورة ان نستثمر هذه القراءة للدعاء وان نوظفها لتعديل سلوكنا وذلك بان نشكر نعم الله تعالى وان نمارس الطاعة ونتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******