نتابع حديثنا عن الادعية المباركة'>الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة العبارة وطرافة الدلالة، وثراء المعرفة العبادية في ميدان العقائد والاخلاق وسواهما، ومن ذلك: دعاء الصباح للامام علي(ع) حيث حدثناك عنه في لقاءات سابقة، وانتهينا الى القسم الاخير منه، وهو الخاص بالسجدة حيث قلنا: ان قارئ الدعاء تقدم الى الله تعالى بالافصاح عن اقراره بالذنب، من خلال جملة مفردات من السلوك المقصر حيال الله تعالى، فيما ذكر منه: ان قلبه محجوب عن الله تعالى، وهذا ما حدثناك عنه في لقائنا السابق، وذكر بعد ذلك انه نفسيا معيوب، أي: يتحسس بعيوبه امام الله تعالى ثم ذكر سمة ثالثة وهي: ان عقله مغلوب بينما ذكر سمة رابعة هي: ان هواه غالب، أي: ذكر سمتين متضادتين هما المغلوبية والغلبة، فالغلبة للهوى والمغلوبية للعقل، وهذه هي المأساة بلا شك... فماذا نستخلص من السمات المشار اليها؟
قلنا ان سمة (العيب) هي ذكرها الدعاء تنسحب على نفس قارئه، فما هي دلالة ما ذكره الدعاء من النفس المعيوبة ؟ لا نتأمل قليلا حتى نعرف بان (العيب) هو: اعم من الذنب، ومن المرض النفسي، ومن سائر ما يجسد سلوكا سلبيا، فالمحرم هو عيب، والمكروه عيب ايضاً، والمباح بدوره عيب في حالة ما اذا عاش العبد وهو غير ذاكر الله تعالى... هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكننا ان نذهب الى ما تقرره المبادئ التي يطرحها علماء النفس بالنسبة الى خلخلة او ضعف الجهاز النفسي للشخصية كأن تتلكأ في تأدية وظائفها الحيوية العادية، فالحساسية او الركود النفسي او الصياح او... الخ تعدّ (عيوبا) في الجهاز النفسي للشخصية، من هنا فان القارئ الدعاء عندما يواجه عبارة تقرر بان سمة (العيب) منسحبة على النفس عندئذ سوف يستخلص بان المقصود من ذلك - والله اعلم - هو: اضطراب الجهاز النفسي لدى الشخصية، وبذلك يصح اطلاق العيب عليه، فكما ان جهاز الانسان حيويا او عضويا يتعرض للعيب كالعمى او العرج او الصمم او الامراض التي تصيب المعدة او القلب او الرئة او... اولئك جميعا تجسد عيوبا جسمية، مقابل العيوب النفسية التي اشرنا اليها...
اذن عندما يشكو قارئ الدعاء من معيوبية نفسه، فهذا يعني ان الجهاز النفسي لديه غير سليم بحيث لا يستطيع ان يؤدي وظائفه التي اوكل الله تعالى اليه تأديتها...
وهذا فيما يتصل بالسمة النفسية...
ولكن ماذا بالنسبة الى السمة الثالثة والرابعة، وهما: مغلوبية العقل وغلبة الهوى؟
نعتقد ان هذه الظاهرة او هاتين الظاهرتين تحتاجان الى مزيد من القاء الانارة عليهما...
اذن لنتحدث عن ذلك...
ثمة (عقل) وثمة (هوى) والسؤال: ما المقصود بـ (العقل)؟ وما المقصود بـ (الهوى)؟
لو قدّر لك ان تتوفر على قرائة النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام بالنسبة الى تركيبة الانسان لامكنك ان تستخلص منها ما يأتي:
ان الله تعالى ركب في الانسان عقلا وشهوة، وركب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركب في الحيوان شهوة بلا عقل، هذه المقولة للامام علي(ع)، يقدر من خلالها ان الانسان يحمل قابلية على ان يسلك سلوكاً ايجابياً (اسماه بالعقل)، وان يسلك سلوكاً سلبياً (اسماه بالشهوة) في حين ان الملائكة منحوا قابلية واحدة هي: العقل، وعكس ذلك الحيوانات فقد منحوا قابلية واحدة هي الشهوة.
والمطلوب من الانسان وهو يواجه هاتين القوتين ان يقاوم (الشهوة) وينتصر بـ (عقله)، ولذلك اوضح الامام علي(ع) من ان الانسان اذا غلب عقله على شهوته اصبح افضل من الملائكة، واذا غلبت شهوته على عقله اصبح احط ّ من الحيوانات... وفي ضوء هذه الحقيقة نعود الى الدعاء الذي نتحدث عنه، حيث المح الى ان العبد عقله مغلوب وهواه غالب، والمفروض ان يكون العكس هو المطلوب من العبد.
اذن هذا ما يسوغ لقارئ الدعاء ان يشكو الى الله تعالى حاله، حيث ان (عقله) مغلوب، و(هواه) غالب، ولذلك نسأله تعالى ان ينتصر لنا فيجعل عقلنا ليس مغلوباً بل الغالب، وهوانا هو المغلوب وليس الغالب.
اخيراً: لا مناص من التذكير جديداً بضرورة ان نستثمر تلاوة الدعاء المذكور، وذلك بمحاسبة انفسنا، وتوطينها على ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******