لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة العبارة، وطرافة المعنى، وثراء الدلالة من دعاء الصباح، حيث حدثناك عنه في لقاءات سابقة، وبقي الجزء الاخير منه، وهو: الجزء الخاص الذي يقرأ في السجدة التي يختتم بها الدعاء.
هذه الخاتمة من الدعاء تتضمن جملة عبارات مشيرة الى قلب قارئ الدعاء بانه محجوب، والى نفس قارئ الدعاء بانها معيوبة، والى عقله بانه مغلوب والى هواه بانه غالب، والى طاعته بانها قليلة، والى معصيته بانها كثيرة، والى لسانه بانه مقر بالذنوب... ثم يتساءل قارئ الدعاء (فكيف حيلتي يا ستار العيوب، ويا علام الغيوب، ويا كاشف الكروب)، ثم يتوسل بالفقرة الآتية في ختام السجدة قائلا: (اغفر ذنوبي كلها بحرمة محمد وآل محمد ياغفار ياغفار ياغفار برحمتك يا ارحم الراحمين)...
هذا هو مضمون الدعاء في ختامه... وقد آن لنا ان نحدثك عنه بشيء من التوضيح.
*******
ان اول ما يلفت نظرنا في هذه النقطة من الدعاء هو: ارتكانه الى الاسلوب القرآني في شكوى العبد من ذنوبه... ولعلك - اذا كنت مواظبا على قراءة القرآن الكريم - تنصرف بذهنك الى شكوى نوح(ع) من قومه عندما اتجه الى الله تعالى قائلاً: (اني مغلوب)، وها هو قارئ الدعاء يشكو - ليس من قومه - بل من نفسه، او من الشيطان الذي يزيّن له المعصية، حيث يتبين بان عقله (مغلوب) بسبب سيطرة الوسوسة الشيطانية عليه، بحيث لم يترك له مجالا للتفكير السليم او المتعظ او الذاكر دواما لله تعالى، مضافاً الى اول طابع طبع قلبه الا وهو انه (محجوب) ثك: طابع نفسه التي غالب عليها العيب....
ويعنينا الآن ان نحدثك عن كل واحدة من السمات السلبية التي يشكو قارئ الدعاء منها حيث يستهلها بالاشارة الى القلب المحجوب... فماذا نستخ لص منها؟
*******
عندما يشيد الدعاء - على لسان قارئه - بان قلبه (محجوب) فهذا يعني انه يحس بوجود (حجاب) بينه وبين الله تعالى... والحجاب رمز للذنوب كما هو واضح، او هو (غفلة) عن ادراك العبد لوظيفته التي خلقه الله تعالى من اجلها... وحتى لو افترضنا ان قلب قارئ الدعاء محجوب عن الله تعالى: (ليس بسبب من الذنوب) بل بسبب من الغفلة عن ادراك وظيفته العبادية كما لو كان مشغولا بجمع المال، او منصرفا الى اللهو والعبث، او ساهيا عن الله تعالى بحيث يحضر مجالس البطالين الذين لا يذكرون الله تعالى قياما وقعودا، ولا يتفكرون في خلق السماوات والارض، ولا يقولون: سبحانك ما خلقت هذا باطلاً فقنا عذاب النار.
انهم لم (يذكروا) الله تعالى، وهذه هي (الغفلة) بعينها حيث تعد خسارا، وبحيث يتحسر العبد يوم القيامة على ما فاته من التفريط باوقاته ونشاطاته المتنوعة الى (غفل) فيها عن الله تعالى، وتركها فراغا لم يمتلئ بـ (ذكر) الله تعالى.
*******
المهم: ان استهلال الخاتمة للدعاء (اي: استهلال السجدة) بالاعتراف بان قارئ الدعاء (قلبه محجوب) يظل - في الواقع - مقدمة لامكانية ان يعدل قارئ الدعاء سلوكه، فيستيقظ من نومه (وهو: الغفلة التي جعلت قلبه محجوباً عن الله تعالى)، ويتجه الى الله تعالى (ذاكراً)، (ونحن نسأله تعالى ان يجعلنا من الذاكرين، وان يفتح قلوبنا - بعد ان حجبها الشيطان - نحو الله تعالى، وذلك بان نحاسب انفسنا لحظة بلحظة، وان نملأ حياتنا بـ(ذكر) الله تعالى دواما، بحيث لا تجد قلوبنا الى (الغفلة) مجالا وهذا ما يحملنا على متابعة التفكير بهدف وجودنا في الحياة، حيث خلقنا الله تعالى لكي نمارس عملنا العبادي (تبعاً لقوله تعالى: وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)، ومن ثم ندرب ذواتنا دواما على ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******