لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة العبارة وعمق الدلالة وطرافتها، ومن ذلك احد ادعية الامام السجاد(ع)حيث يتلى ظهر الجمعة ... وقد حدثناكم عن مقطعه الاول الذي استهل الدعاء به وهو قوله(ع) (اللهم اشترِ مني نفسِِ الموقوفة عليك، المحبوسة لامرك، بالجنة مع معصوم من عترة نبيك صلى الله عليه وآله، مخزون لظلامته، منسوب بولادته، تملأ به الارض عدلاً ...).
ان هذا المقطع حدثناكم عن فقراته الثلاث ونعني بها اشتراءَ الله تعالى للنفس، وموقوفيتها ومحبوسيتها اما الموقوفية فتعني - كما اشرنا - ان العبد جعل نفسه وقفاً لله تعالى على نحو ما تجعل سائر الاوقاف التي تجرُّ منفعةً طيلة وجودها، واما المحبوسية لامر الله تعالى فتعني ان النفس حبست ذاتها منتظرة لأمر الله تعالى، هنا نحسبكم ستسألون عن النكتة الكامنة وراء الفارق بين عبارة "نفسي الموقوفة عليك" وعبارة "المحبوسة لأمرك"؟ والجواب هو: ان الوقف يرمز الى النفس المستعدة للاستشهاد بين يدي الامام المهدي'>الامام المهدي المنتظر(عج) للمساهمة في معركته ضد الجور والظلم، واما الحبس فرمز الى عملية الانتظار لصدور الاوامر من الله تعالى واعلانه للظهور، ولذلك قال الدعاء بان العبد محبوسة نفسه لامر الله، أي الى الوقت الذي يأذن به الله تعالى للامام بالظهور وخوض المعركة ضد المنحرفين الذين اغرقوا الحياة بالجور والظلم.
والان خارجاً عن هذه الملاحظات نتجه الى الامام المهدي(عج) لملاحظة ما رسمه الدعاء من المهمة الملقاة على الامام(ع)، حيث رسم ذلك على النحو الآتي: (مع معصوم من عترة نبيك صلىَّ الله عليه وآله، مخزون لظلامته، منسوب بولادته، تملأ به الارض...).
ان قارئ الدعاء قد يقف مستخلصاً اكثر من دلالة من العبارة المذكورة او بالاحرى من العبارتين القائلتين بان الامام(ع) (مخزن للظلامة، منسوب بالولادة) او كما يقول النص (مخزون لظلامته، منسوب بولادته) ... ان شيئاً من الضبابية المحببة تطبع العبارتين المتقدمتين... كيف ذلك؟
يقول النص بان قارئ الدعاء اوقف نفسه على الله تعالى وحبسها لأمره مع معصوم من عترة نبيه، مخزون لظلامته، منسوب بولادته، والسؤال هو: ما المقصود من عبارة (مخزون لظلامته)؟ هل يعني ذلك ان الامام المهدي(ع) يتحمل هذا الظلم الذي نجده قد ملأ الدنيا، ولذلك فهو "مخزون" بالظلامة المذكورة لحين الاذن بظهوره؟ هل يعني ايضاً انه(ع) منذ ولادته قد ذكر ونسب الى مهمته التي سيضطلع بها؟ هذا استخلاص وتساؤل: وهناك استخلاص وتساؤل آخر هو هل ان المقصود ان النبي(ص) لوح بولادته وحزنه لهذا الامر؟ وهناك استخلاص وتساؤل ثالث ورابع ....
الا ان الاستخلاص العام او الاجمالي هو ان الامام المهدي(ع) منذ ولادته مكتوب له بممارسة مهمته الاصلاحية في غمرة فساد العالم وامتلائه بالظلم وبالجور، وهو يتحمل منذ ولادته ولحد الان، الظلامة التي تنتظر ان تنقشع لكي يملأ الارض عدلاً وقسطاً...
ان هذا الاستخلاص وامثلته يظل مفصحاً عن اهمية ما رسمه الدعاء من الدلالات تاركاً لقارئ الدعاء ان يستخلص من العبارة ما يتناسب وخلفيته الثقافية ...
والمهم هو: ملاحظة اسهام قارئ الدعاء في المعركة التي ننتظرها جميعاً لنكون ملتحقين بموكب الامام(ع) والاستشهاد بين يده ...
بعد ذلك، يعرض الدعاء توسلاً آخر هو (ولا تجعلني ممن تقدم فمرق او تأخر فمحق ...).
وهذا التوسل سنحدثكم عن نكاته في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نشارك نحن القراء للدعاء صاحب الدعاء في التوفيق الى الاستشهاد مع الامام المهدي(عج) في معركته، وان ندرب ذواتنا على الطاعة التامة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******