نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الصباح للامام علي(ع) حيث حدثناكم عن مقاطع متنوعة منه ونحدثكم عن مقطع جديد هو: (الهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً، ام كيف تخيب مسترشداً قصد الى جنابك ساعياً، ام كيف ترد ظمآن ورد الى حياضك شارباً، كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول ...).
هذا المقطع من الدعاء يتضمن كما تلاحظون جملة استعارات تتحدث عن اللجوء الى الله تعالى وكل وحدة منها تنطوي على دلالة خاصة مع الاشتراك جميعاً في رافد واحد هو اللجوء الى الله تعالى والتوسل به بالا يرد القارئ للدعاء خائباً.
اذن: لنتحدث عن كل واحدة من الاستعارات المذكورة ... العبارة الاولى تقول (الهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً) هنا نجد ان هذه العبارة او الاستعارة واضحة ومألوفة من حيث دلالتها لكن مع ان الوضوح والالفة تكفيان القارئ للدعاء ولا تدعانه بحاجة الى مزيد من التوضيح الا ان اكثر من نكتة نجدها في النص المذكور ولعل الاهم فيها هو ملاحظة المفردات او الكلمات المألوفة ذاتها، مثل عبارة المسكين وعبارة الهروب ونحو ذلك ...
ان قارئ الدعاء يجد ان المتوسل بالله تعالى قد اطلق عليه مصطلح المسكين وحينئذ قد يتساءل لماذا انتخب هذا المصطلح دون سواه؟ وللاجابة نقول المسكين هو الشخص الذي لا يملك شيئاً بالاضافة الى كونه مقهوراً وذليلاً ومن البين ان المقهور والذليل والمعدم الذي لا يمكن شيئاً مضطر الى ان يلجأ الى جهة ما لتطرد عنه القهر والفقر..الخ، هنا ينبغ الا يغيب عن اذهاننا بان اللجوء هنا ليس بطراً بل ضرورة لا مناص منها والا يتعرض المسكين الى الهلاك حيث ان عدم وجود المال لديه يقتاده نحو النهاية الى المصير المذكور وهذا ما ينسحب على المذنب حيث ان ممارسة الشخص للذنب ليست عملاً عادياً بل انه عمل خطير حتى لو كان الذنب صغيراً لذلك ورد في الحديث المأثور عن المعصومين عليهم السلام ما معناه انظروا الى عظمة الخالق وليس الى صغر الذنب وهذا ما يفسر مجانسة المسكين الذي لا يمكن شيئاً والمقهور الذليل الذي لا يقدره الاخرون مع ممارس الذنب حيث لا يملك الا ان يلجأ الى الله تعالى وهو المطلع والمحاسب ومن ثم الغافر للذنب والا يتعرض الى الهلاك وهو هلاك ليس دنيوياً بل هو الهلاك الاخروي الذي لا يطاق البتة ولا يقاس بهلاك الدنيا ... وهذا كله يرتبط بكلمة المسكين ..
ولكن ماذا بالنسبة الى كلمة الهارب، حيث لاحظنا ان المقطع يقول (الهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً)؟ هذا ما يحتاج بدوره الى توضيح ...
قد يتساءل قارئ الدعاء قائلاً الممارس للذنب مضطر الى ان يلتجيء الى الله تعالى ولكن لماذا وسمه الدعاء بالهارب أي الفار من مكان الى آخر؟
من البين ايضاً ان المسكين اذا كان معرضاً للهلاك بسبب عدم وجود ما يقوم حياته حينئذ يضطر الى الفرار من الهلاك حتى ينجو منه فيكون الفرار او الهروب هو قدره الوحيد ولا يملك خياراً غيره، وذلك بسبب ان الحاجة الى الحياة والحاجة الى الامن والحاجة الى الطعام...، تشكل جميعاً دوافع مركبة في الشخصية لابد من اشباعها فاذا وقعت الشخصية في الشدة المذكورة عندئذ لا مناص لها من عملية هروب من الشدة او الاحباط الى جهة تحقق لها الاشباع للحاجات المذكورة أي الحاجة الى الحياة والأمن والطعام ...
اذن: امكننا ان نتبين بوضوح ما تحمله كلمات الدعاء المذكورة من دلالات عميقة مع كونها متسمة بكل وضوح وهو امر يحمل قارئ الدعاء على ان يتدبر جيداً في الدلالات التي ترشح بها العبارات او الاستعارات حتى لو كانت في تصوره واضحة ومألوفة.
والأهم من ذلك هو ان نستثمر قرائتنا للدعاء وهو ان نهرب فعلاً الى الله تعالى من ذنوبنا وان نتوب منها وان نعوض ذلك بممارسة المزيد من الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******