نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الصباح للأمام علي(ع) حيث حدثناكم عن جملة مقاطع منه، ونواصل حديثنا عن مقاطع جديدة ومنها قوله(ع): (الهي كيف تطرد مسكيناً التجأ اليك من الذنوب هارباً، ام كيف تخيب مسترشداً قصد الى جنابك ساعياً، ام كيف ترد ظمآن ورد الى حياضك شارباً، كلا وحياضك مترعة في ضنك المحول ...).
هذا المقطع يتضمن كما لاحظتم ثلاث فقرات او استعارات ثلاث او اربع حدثناكم عن اولاها في لقاء سابق، وهي الفقرة القائلة(كيف تطرد مسكيناً ...) ونحدثكم الان عن باقي فقراته، وهي: (كيف تخيب مسترشداً قصد الى جنابك ساعياً ام كيف ترد ظمآن ورد الى حياضك شارباً ...) هاتان الفقرتان تتضمن اولاهما توسلاً بالله تعالى بالا يخيب أمل مسترشد قصده ساعياً ... ولا يرد ظمآن ورد الى حياضه شارباً، اما الفقرة الاولى فلا تحتاج الى تحليل او تعقيب بصفة انها تتحدث عن مذنب يأمل من الله تعالى بالا يخيبه، بعد ان قصده ساعياً، حيث ان السعي الى جهة قصدها الانسان يعني: ان له املاً بقضاء حاجته، فكيف اذا كان السعي الى الله تعالى. اذاً الامل بغفران الذنب يفرض فاعليته في هذه الفقرة من الدعاء ..
بينما الفقرة الثانية وهي التساؤل او التوسل بعدم رد الظمآن الى حياض الماء لغرض الشرب منها.. هنا الفقرة تتضمن صياغة استعارية تتطلب منّا ان نحللها تفصيلاً ...
فقرة الدعاء المذكورة تجسد استعارة واضحة ومألوفة كما هو طابع الكثير من النصوص الشرعية التي ينطوي بعضها على صور واضحة واخرى على صور ذات ضبابية ولكنها ضبابية شفافة لا التواء فيها والمهم ان كلاً من النمطين ينطوي على دلالات عميقة، وبالنسبة الى ما نحن فيه تجد ان الصورة الاستعارية المتوسلة بالله تعالى بان يغفر ذنوبنا قد انتخبت صياغة هي ان العبد المذنب بمثابة ظمآن وهذا الظمآن ورد الى حياض الله تعالى ليشرب منها والحياض هي جمع للحوض وهو مجتمع المياه وحينئذ هل يمكن بان يتصور بان الله تعالى يرد الظمآن المذكور ويمنعه من شرب الماء، الصورة الاستعارية تقول كلا أي لا يمكن تصور ذلك ... لماذا؟
تقول الصورة لان حياض الله تعالى مترعة اي ملأى وهي ملأى امام العبد الذي يحيا في شدة كبيرة هي وجود المحل او الجرب في نفسه او في اراضيه التي تتطلع الى سقي الماء .... هنا نلاحظ بان الصورة الاستعارية المذكورة متشابكة الفروع بحيث تفصح بوضوح عن مدى ثقة العبد المذنب بالله تعالى من جانب ومدى الشدة النفسية التي يعاني منها من جانب آخر.
اذن: لنتحدث تفصيلاً عن الجانب المشار اليه ...
من الحقائق المألوفة في ميدان علم النفس، ان الدوافع او الحاجات البشرية المودعة في تركيبة الانسان تتفاوت الحاحاً او تزامناً فالحاجة الى الشراب والطعام والنوم مثلاً تختلف عن الحاجة الى الجمال وسواه كما ان الحاجات الحيوية التي تتوقف عليها حياة الانسان كالشراب مثلاً تختلف عن الحاجات الملحة الاخرى كالجنس مثلاً حيث ان عدم الاشباع الجنس لا يفضي الى الهلاك بينما يفضي عدم وجود الماء والطعام الى الهلاك كما هو واضح من هنا فان الدعاء الذي نتحدث عنه حينما ينتخب لنا دافعاً ملحاً هو العطش ويربطه بالحاجة الى غفران الذنب فهذا يعني الاهمية العظمى لدى العبد من حيث احاسيسه بوطأة الذنوب ...
من هنا ايضاً انتخب الدعاء فروعاً متنوعة لعملية الظمأ وصلتها بالشدة النفسية فيما نحدثكم عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نشير الى ضرورة ان نستثمر تلاوتنا للدعاء، ونوظف انفسنا على ترك الذنوب وتدريب ذواتنا على الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******