نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة فائقة ونكات متنوعة ومعرفة مكثفة ومن ذلك الدعاء المعروف بـ"دعاء الصباح" للامام علي(ع) حيث حدثناكم عن هذا الدعاء بنحو متسلسل ووصلنا الى مقطع جديد يبدأ بقوله(ع): (صلِِِّ اللهم على الدليل اليك في الليل الأليل ...).
هنا قد يجد قارئ الدعاء جملة عبارات تتسم بشيء من الغموض الا ان النصوص الشرعية بنحو عام تجنح الى الوضوح من جانب ولكنها في سياقات خاصة تجنح الى الغموض، وهو "الغموض" المحبب بطبيعة الحال حيث يتطلب تأملاً بعض الشيء ... وهذا النمط من العبارة يجب كما قلنا في سياق نادر والهدف منه هو مشاركة القارئ في استخلاص الدلالة بصفة ان قارئ الدعاء او أي نص آخر يجد امتاعاً حينما يسهم في محاولته لكشف المعنى بالاضافة الى ان امثلة هذه المحاولة تثري ذهنه وتنمي القابلية الفكرية لديه فتزداد مهارته العقلية دون ادنى شك.
المهم: نحاول في لقاءنا ان نسهم بدورنا في اكتشاف الدلالات التي يختزنها الدعاء في عباراته المشفوعة بشيء من الضبابية المحببة.
ونبدأ بالفقرة المتقدمة أي فقرة (وصلِّ اللهم على الدليل اليك في الليل الأليل ...) فماذا نستخلص منها؟ قبل ان نجيبكم عن السؤال المتقدم نذكركم باننا امام دعاء خاص يتصل بالصباح والصباح هنا كما كررنا ليس مجرد وصف لظاهرة كونية من ابداع الله تعالى فحسب بل هو تذكر لنا بمهماتنا العبادية التي خلقنا من اجلها وسنرى كيف ان الدعاء يستثمر شروق الصباح ليدعو الله تعالى بان يفتح لنا مع افتتاحه الرحمة والصلاح وسائر ما نعنى بامثلته في غمرة ممارستنا العبادية ... ومادام الامر كذلك، فان الدعاء حينما يقارن بين الصباح وبين المساء مثلاً كما لاحظنا ذلك في مقطع اسبق انما يلفت نظرنا من جانب الى ان الليل بدوره ظاهرة ابداعه ولكن من جانب آخر يستخدم الامام ظاهرة الليل يجعلها رمزاً لما هو سلبي كاستخدام القرآن الكريم مثلاً للظلمات والنور حينما يستخدم الرمز الاول وهو الظلمات يشير الى الكفر والضلال او مطلق ما هو سلبي مقابل النور الذي يشير الى ما هو ايجابي كالايمان والخير و....
المهم هو: ان نتجه الان الى ما يقدمه دعاء الصباح من فقرة جديدة تتصل بما هو مضاد للصباح او النور فيقول (صلِّ اللهم على الدليل اليك في الليل الاليل...)، حيث آن لنا ان نتحدث عن هذا الرمز ...
واضح ان الدعاء يتوسل بالله تعالى ان يصلي على محمد(ص) ولكنه انتخب رمزاً قد استثمره في هذا الجانب الا وان محمداً(ص)دليل الى الله تعالى ... ولكن متى انه دليل في (الليل الاليل).
هنا يتعين علينا ان نتأمل قليلاً لنستخلص جملة دلالات من الرمز المذكور فأولاً نجد ان الامام علياً(ع) وصف "الليل" بانه "أليل" هذا اولاً لكن قبل ذلك، توسل بالله تعالى ان يصلي على محمد(ص) في الليل الاليل ... والسؤال هو لماذا خصص الصلاة في الليل الأليل مع ان الصلوات على محمد وآله تطلق في سياقات متنوعة غالبها هو مطلق الصلوات تذكيراً لنا بأهمية رسول الله تعالى بصفته رسولاً يوصل الى الآخرين مبادئ الله تعالى.
للمرة الجديدة نقول: ان الامام علياً(ع) استثمر ظاهرة الصباح واتجه الى ضدها وهو الليل، ووصفه بـ"الأليل" وذلك ليذكرنا بان محمداً(ص) هو الدليل الذي ارسله تعالى للبشرية وسواهما وذلك في بيئة الضلال التي خيمت على الوجود فجعله دليلاً يسترشد به السائرون في الظلام حتى يصلوا الى مواقع النور، وهو الايمان بالله تعالى، وبرسوله، وبعترته الطاهرة وبالمبادئ التي جاءت الشريعة بها ... وواضح ان التعبير بصيغة "الأليل" تعني الظلم الشديدة والطويلة فيكون الرسول(ص) رمزاً ليبدد هذه الانحرافات كما هو واضح والمهم هو ان نستثمر نحن القراء للدعاء المذكور هذا الجانب وذلك بالتمسك بمبادئ الرسول(ص) وبمبادئ العترة الطاهرة وذلك بممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******