بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد والمجد، نصير المستضعفين ومبير الظالمين، وأزكى صلواته وتحياته وبركاته على منقذي عباده من ظلمات الضلالة والجهالة محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، معكم في وقفةٍ تأملية جديدة في مقطعٍ أخر من دعاء المعرفة الجليل المستحب تلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء المهدي الموعود (عجل الله فرجه) خاصة بعد صلاة العصر من أيام الجمعة.
وقد بلغ بنا الحديث الى قول الداعي: (اللهم اكف وليك وحجتك في أرضك هول عدوه، وكيد من كاده وأمكر بمن مكر به، واجعل دائرة السوء على من أراد به سوءاً).
الكافي هو من أسماء الله الحسنى، ومعناه هو كونه تبارك وتعالى الذي يغني من إستكفى به عزوجل همّ الأمر الهام والمخوف والداهي، أي يدفعه عنه بطريقةٍ تجعل المستكفي به في راحة وسلامة روحية حتى من الـتأثر بهول وصعوبة هذا الأمر.
من هنا نعرف أن إسم الكافي يتمايز عن إسم الدافع بأضافة هي أنه يتضمن دفع السوء بذاته مع دفع الهم والغم الذي يصاحبه.
وعليه يتضح أن ما نطلبه من الله عزوجل هنا هو أن يدفع عن وليه وحجته على عباده سوء الأهوال التي يسببها له عدوه، ويجعله (عليه السلام) في أمنٍ وراحةٍ منها.
والمقصود بوصفي (وليك وحجتك في أرضك) هو خليفة الله المهدي (أرواحنا فداه)، فهذا المقطع يأتي كما هو واضح من سياق الدعاء لإمام العصر وطلب تعجيل ظهوره (عجل الله فرجه) كما جاء في مقاطع الدعاء السابقة.
وسؤالنا هنا هو: ما معنى كون إمام العصر (سلام الله عليه) هو ولي الله عزوجل أولاً، ثم ما معنى كونه حجة الله في أرضه؟
الإجابة تأتيكم أعزاءنا بعد قليل فتابعونا مشكورين.
الولي في اللغة مشتق في الأصل - أيها الأعزاء- من الولاء والتوالي، ومعناه الإلتصاق بين شيئين بحيث لا يكون بينهما ما ليس منهما كما ذكر ذلك الراغب في كتاب مفردات القرآن الكريم. وأضاف أيضاً بأن إستعمالات هذه المفردة جاءت بلحاظ هذا المعنى اللغوي، فأخذت بمعنى القرب المكاني والمعنوي والعقائدي ومن حيث النسبة والدين والصداقة والنصرة والمؤازرة.
وعلى ضوء هذا المعنى يوصف المؤمن بأنه (ولي الله) للإشارة الى إرتباطه وإلتصاقه به عزوجل ونصرته لربه الجليل وبالتالي قربه منه جل جلاله وحظوته بالنصرة الإلهية والهداية والرعاية الإلهية كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية ۲٥۷ من سورة البقرة:«اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ، وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ، يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».
وعليه يتضح أيها الأخوة والأخوات أن معنى كون الإمام المهدي (أرواحنا فداه) ولياً لله عزوجل، هو إرتباطه به جل جلاله دون أن يفصله عنه شيء وإلتصاقه به وقربه المعنوي منه بحيث لا يحجزه عنه شيء وكمال إيمانه به جل جلاله ونصرته له.
وهو (عليه السلام) يحظى بذلك برعاية الله عزوجل وتسديده وتأييده ونصرته له.
ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل، أن المؤمن كلما كمل إيمانه وصدقت نصرته لله عزوجل توثقت بالمقابل عرى ولايته لله تبارك وتعالى، وبالتالي حظي بالمراتب العليا من النصرة والهداية الإلهية وهذا الأمر من مقتضيات العدل الإلهي. وإمام العصر (سلام الله عليه) هو كسائر أهل بيت النبوة المحمدية (عليهم السلام) النموذج الكامل للإيمان الصادق بالله جل جلاله والنصرة الخالصة له أي لإرادته العادلة تبارك وتعالى.
ولذلك فهو (عليه السلام) يحظى بكامل التأييد والهداية والنصرة الإلهية، أي أعلى مراتب الولاية الإلهية بجميع شؤونها. من هنا صار (عليه السلام) حجة الله عزوجل في أرضه. ومعنى (الحجة) لغوياً هو الدلالة أو الآية المبينة للمحجة أي الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، وإذا نسبت الى الله تبارك وتعالى أعطت مفهوم الدلالة الكاملة في بيان الإرادة الإلهية والحق الصريح الذي لا لبس فيه كما يشير لذلك قوله عزّ من قائل: «فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ».
من هنا يكون معنى وصف الإمام المهدي (أرواحنا فداه) بأنه (حجة الله) هو كونه (عليه السلام) الآية البينة المعرفة للصراط المستقيم الموصل الى قرب الله عزوجل والحاملة لجميع مصاديق الهداية الإلهية، أي أن في جميع أقواله (عليه السلام) وأفعاله الحق الإلهي الصريح الذي لا لبس فيه، فمن أراد الحق وأراد الله عزوجل فعلية التمسك بحبل موالاته والإرتباط به (عليه السلام) لكي يكون سيره على الصِّرَاطِ المُستَقِيمَ ويكون حليفه الفوز والفلاح والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
الى هنا نصل اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى ختام حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم في رعايته سالمين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.