بسم الله والحمد لله مجيب الدعوات ومبدءِ الرحمات ومنه خالص الصلوات والتحيات على خلفائه الهداة وأمنائه السادات محمد المختار وآله الأطهار. السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله، تحية مباركة ندعوكم بها لمتابعة لقاء اليوم من برنامجكم هذا حيث نتابع الاستهداء بأدعية أهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام) ومنها دعاء المعرفة المبارك الذي أمرنا إمام زماننا المهديُّ (أرواحنا فداه) بالاهتمام بتلاوته في عصر الغيبة للثبات على الدين الحق وحفظ الاستقامة على صراطه المستقيم. لنا وقفة في هذا اللقاء مع الفقرة التالية منه و فيها يطلب المؤمن النجاة من فتن عصر غيبة مولانا إمام العصر (عجل الله فرجه) قائلاً: (اللهم ولاتسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وإنقطاع خبره عنا، ولاتنسنا ذكره وإنتظاره والإيمان به وقوَّة اليقين في ظهوره والدعاء والصلاة عليه حتى لايُقـَنِّطَـَنا طول غيبته من ظهوره وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما جاء به من وحيك وتنزيلك).
أوَّل ما يطلبه المؤمن في هذه الفقرة من الله جلَّ جلاله هو أن لايسمح لطول غيبة إمام زمانه المهدي المنتظر وانقطاع مستجدات أخباره بأن تضعف يقينه به (عليه السلام) وتثير في نفسه الشبهات والشكوك التي تذهب باليقين الإيماني الراسخ، هذا ماتحدثنا عنه مفصلاً في الحلقة السابقة من البرنامج ضمن التدبّر في العبارة الأولى من فقرة الدعاء المتقدمة وفي العبارات اللاحقة منها يطلب المؤمن أن يوفقه ربُه الكريم للعوامل الأساسية التي تحفظ هذا اليقين الإيماني بوجود الإمام الغائب: وهذا الطلب جاء بصيغة أن يقية الله عزوجل من فقدان هذه العوامل التي لو لم يحفظها الإنسان زال يقينه الإيماني بأمام زمانه. وأول هذه العوامل هو دوام ذكره (عليه السلام) حيث يقول الداعي: (ولاتنسنا ذكره).
وهنا نسأل ما هو المراد من ذكر الإمام المهدي وما هي مصاديقه؟ وما هي مظاهر نسيانه (عليه السلام)؟
مستمعينا الأكارم، في الإجابة عن السؤال المتقدم نقول: إن مصاديق ذكر الإمام (عليه السلام) كثيرة منها الاهتمام بقراءة ماحدَّثنا عنه أهل بيت النبوة (عليه السلام) من أمر غيبته وعللها وظهوره وصفاته وما يحقـِّقه الله عزوجل على يديه (عجل الله فرجه). ومنها الاهتمام بقراءة وحفظ وصاياه (عليه السلام) التي نقلتها المصادر الحديثية المعتبرة فيما يعرف بالتوقيعات والرسائل التي كان يجيب بها عن أسئلة المؤمنين، ومنها الاهتمام بقراءة أخباره ودلائل إمامته التي روتها المصادر المعتبرة وعموم ما صَنـَّفـَهُ العلماء الأعلام من كتب عنه (عليه السلام) وما رووه من روايات الذين تشرفوا برؤيته في عصر الغيبة الصغرى وعصر الغيبة الكبرى الى عصرنا الحاضر كما ورد في المصادر المعتبرة وما تناقله العلماء الثقاة والصلحاء والأبرار منها.
والثمرة الكبرى من كل ذلك والتي تتحقق بها حقيقة ذكره (سلام الله عليه) هو أن يحرص المؤمن على ابتغاء رضا إمام زمانه (عليه السلام) لأنَّ فيه رضا الله عزوجل، ويكون ذلك بأن يُراقِبُ نفسه وأعماله فيُسائل نفسه بأستمرار هل أنَّ في هذا العمل أو ذاك رضا الإمام وطاعته (عليه السلام) أم سخطه الذي فيه سخط الله عزوجل؟ فيقبل على ما فيه طاعة الله ورسوله وإمامه ويَجتنِبُ ما فيه سَخَطَهُ، مستعيناً في كل ذلك بما ورد في وصاياه (عليه السلام) وأخباره، ومما تقدم نعرف أيضاً مظاهر نسيان ذكر مولانا المهدي (عجل الله فرجه)، فهي تشتمل على جميع مصاديق الغفلة عن الأمور المتقدمة وغيرها من مصاديق ذكره (عليه السلام) مثل الحرص على زيارته بالزيارات المأثورة في أيام الجمع وغيرها والدعاء له والتصدُّق عنه والإهتمام بأداء حقوق الإمام التي ذكرتها النصوص الشريفة.
أيها الأخوة والأخوات، أما العامل الثاني الذي يدفع عن المؤمن الشكوك والشبهات واليأس من ظهور الإمام الغائب المنتظر (عجل الله فرجه) فهو التحقق بصفات المنتظر الصادق لظهوره (عليه السلام) وهذا ما يطلبه الداعي بقوله: (ولاتنسنا إنتظاره) وقد فصَّل العلماء الأعلام معنى الإنتظار استناداً لما ورد في الإحاديث الشريفة وملخَّصُ ما ذكروه هو أن يكون المؤمن مُستعداً لظهور المهدي الموعود (عجل الله فرجه) في كل حين، أي أن يكون ساعياً في التحلِّي بصفات أنصاره المخلصين مُوطناً نفسه على نصرته والانضمام لحركته الإصلاحية الكبرى، مجتنباً كل ما يَمنَعُهُ من ذلك، مثلما أنَّ الذي ينتظر مجيء ضيفٍ مثلاً يهتمُّ بالاستعداد له بتوفير مستلزمات الضيافة وما يحتاجه ضيفهُ وما ينبغي أن يقوم به لاستقباله. أما نسيان الإنتظار فواضحٌ أنَّ مصداقه هو الغفلة عن الاستعداد لظهوره (عليه السلام) كغفلة الذي يدعو شخصاً لضيافته ولايُعِدُّ شيئاً من مستلزمات الضيافة.
مستمعينا الأفاضل، والعامل الثالث الذي يطلبه المؤمن من ربه الجليل لكي يحفظ يقينه الإيمانيَّ بالمهدي المنتظر (أرواحنا فداه) فهو الوارد في قوله: (ولاتنسنا الإيمان به وقوة اليقين في ظهوره)، أي أن لايغفل عن هذا الإيمان واليقين القوي والسبيل العملي لتحقق ذلك هو أن يستذكر باستمرار ما ورد في النصوص الشريفة من حتمية ظهوره (عجل الله فرجه) وأنه من الْمِيعَادَ الإلهي الصادق وإِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فيدفع باستذكار هذه النصوص ما يثيره الشيطان وجنوده من شبهاتٍ وتشكيكاتٍ ويأسٍ وقنوطٍ من الظهور المبارك أعاذنا الله وإياكم منها جميعاً. وبهذا ينتهي أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة)، تقبل الله منكم حسن الإصغاء وجميل الاستماع ودمتم في رعايته سالمين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.