بسم الله وله الحمد أكرم المحسنين وأزكى صلواته على كنوز رحمته الواسعة للعالمين صفيِّه المصطفى وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا، طابت أوقاتكم بكل خير، على بركة نلتقيكم في حلقةٍ جديدة من هذا البرنامج ووقفة تأملية أخرى عند الفقرة التالية من الدعاء المهدوي الجليل المستحب تلاوته في عصر الغيبة وخاصة في عصر الجمعات، والفقرة هي قول الداعي: (اللهم إني أسألك أن تريني وليّ أمرك ظاهراً نافذ الأمر مع علمي بأنّ لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيّة والحول والقوة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر الى وليِّك صلواتك عليه وآله، ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة، ...).
كانت لنا وقفتان مع هذه الفقرة من الدعاء في الحلقتين السابقتين تنطلقان من تفسيرها على أساس فهم المطلوب فيها بأنّ رؤية وليِّ أمر الله المهدي (عجل الله فرجه) عند ظهوره وبسطه حكم الله عزوجل في أرضه، أي أنّ المؤمن يطلب هنا من الله عزوجل أن يطيل عمره وأعمار المؤمنين لكي يدركوا الظهور المهدوي المبارك أو أن يعجِّل في زمن هذا الظهور لكي يفوزوا بنعمة رؤيته وقد أقام دولة العدل الإلهي العالمية.
ولكن قد يكون المطلوب تحقق نوعٍ من الظهور الخاص، بمعنى أن يكون مطلوب المؤمن في هذه الفقرة هو أن يرى إمام زمانه الغائب وهو ظاهرٌ غالبٌ في القيام بأمر الله عزوجل نافذ الأمر في هدايته لعباد الله والتمهيد لظهوره وكذلك في القيام بسائر مهام الإمامة.
وبعبارة أخرى فإنّ ما يطلبه المؤمن هنا هو الحصول على الطمأنينة واليقين القلبي بأنّ كل صعوبات عصر الغيبة لا تمنع إمام العصر (أرواحنا فداه) من أن يكون ظاهر المقالة أي ظاهر أحقية نهجه ومقاله، وهادياً من الضلالة، يهدي المُستعدِّين للهدى الإلهي من ضلالات المنحرفين والأئمة المُضلين ويُنقذهم من الضلالات ويشفيهم من الجهالات وآثارها وسيئاتها بدلالات واضحةٍ وبأساليب ناجعةٍ تتناسب مع خصوصيات عصر غيبته (عجل الله فرجه).
أيها الأخوة والأخوات، وعلى أساس هذا الفهم نسأل: ما هو الهدف هنا من استذكار المؤمن وتأكيده لإقراره بأنّ لله عزوجلالسلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشية والحول والقوة؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: يبدو أن~ الهدف من استذكار هذه العقيدة التوحيدية هو إبعاد شبهة أن يكون طلبه رؤية نفاذ أمر إمام زمانه وولي أمر الله وتغلبه على صعوبات عصر الغيبة ناتجاً من شكـِّه - والعياذ بالله- بقدرة الله ونفاذ إرادته ومشيئته، بل إنّ ما يطلبه هو رؤية مظهر تجلِّي هذه القدرة الإلهية في حركة إمام العصر (أرواحنا فداه) في الهداية والقيام بمهام الإمامة على الرغم من كل الأخطار التي تهدده، وبعبارةٍ أوضح فإنّ ما يطلبه المؤمن هنا هو على غرارِ ما طلبه ابراهيم الخليل - على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام- عندما طلب من الله عزوجل أن يريه كيف يحي الموتى، فقد طلب ذلك لا لأنه لم يؤمن بقدرة الله عزوجل بل وحسب التعبير القرآني «وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وعليه يكون الهدف من هذا الطلب هو الحصول على اليقين القلبي أما الهدف من التذكير بقدرة الله ونفاذ مشيئته وبرهانه فهو دفع أي تشكيك بها قد يصاحب مثل هذا الطلب.
ويبقى هنا سؤال ينبغي الإجابة عنه وهو: هل أنّ رؤية إمام العصر الغائب (عجل الله فرجه) والتي يطلبها المؤمن في الفقرة المتقدمة من الدعاء هي الرؤية البصرية المباشرة أم الرؤية العقلية أو الرؤية بعين القلب والبصيرة ورؤية آثار الإمام (عليه السلام)؟
في الإجابة عن هذا السؤال: يمكن القول بأنّ مطلوب المؤمن هو حصول اليقين القلبي الجازم بأنّ أذى الأعداء وأخطارهم وعدم استعداد الامة لنصرة الإمام وغير ذلك من العوامل التي أوجبت غيبته (أرواحنا فداه)، كلُّ ذلك لا يمنعُ من نفاذ أمره وغلبته على مكائد الاعداء وقيامه رغم كل ذلك بمهامِّ الإمامة في غيبته.
ولما كان الهدف هو حصول هذا اليقين، فإنّ أيّاً من أقسام الرؤية المذكورة الآنفة يحقق هذا اليقين القلبي الجازم يكون هو مطلوب المؤمن من ربه الجليل تبارك وتعالى. بل إنّ النموذج الذي حكاه القرآن الكريم عن طلب ابراهيم الخليل (عليه السلام) يفتح أمام المؤمنين أبواب طلب حتى الرؤية الإعجازية أي رؤية الإمام (عجل الله فرجه) البصرية المباشرة مقترنة بظهور كراماتٍ باهرةٍ تحقـِّق للمؤمن الحصول على اليقين القلبي المطلوب بالأصل، وتحدِّثنا المصادر المعتبرة عن حصول ما لا يحصى من الوقائع لكثير من المؤمنين فازوا خلال عصر الغيبة الصغرى وكذلك الغيبة الكبرى برؤية إمام العصر (أرواحنا فداه) ورأوا من الكرامات ما يجعل اليقين المطلوب مستقراً في قلوبهم.
وهذا المعنى تؤيده الفقرة التالية من هذا الدعاء المهدوي الجليل وفيها يرد قول الداعي: (واجعلنا ممن تقرّ عينه برؤيته). رزقنا الله وإياكم ذلك إنه سميع مجيب.
وبهذا تنتهي حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم بكل خير.