بسم الله والحمد لله غياث المضطرين ومجيب دعوة السائلين، وأزكى صلواته على وسائل عونه للطالبين المصطفى الأمين وآله الطاهرين.
سلام من الله عليكم إخوتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم إخوة الإيمان في حلقة أخرى من هذا البرنامج، نسعى فيها معا لاستلهام المزيد من خصال الصالحين من دعاء مولانا زين العابدين عليه السلام الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، وقد انتهينا إلى المقطع الثاني عشر منه حيث يقول – صلوات الله عليه –: "اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة وأسألك عند الحاجة وأتضرع إليك عند المسكنة ولا تفتني بالإستعانة بغيرك إذا اضطررت ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت ولا بالتضرع إلى من دونك إذا رهبت أستحق بذلك خذلانك ومنعك وإعراضك يا أرحم الراحمين".
الصفة المحورية التي يشير إليها إمامنا السجاد – عليه السلام – في المقطع المتقدم مستفادة من قوله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" وهي صفة حصر الاستعانة بالله عزوجل في جميع الشؤون والحالات التي يمر بها الإنسان المؤمن، وهذه الصفة من كمال التوحيد الخالص.
المقطع المتقدم من الدعاء يشير إلى حالات الضرورة والحاجة والإفتقار والمسكنة التي يمر بها كل إنسان، منبها إلى أن عباد الله الصالحين لا يتوجهون في هذه الحالات لغير الله عزوجل، بل يحصرون الاستعانة به جلت قدرته لمواجهة الشدائد والإفتقار والمسكنة والتغلب عليها.
العبد الصالح هو من يستقوي بالله وحده لا شريك له في صولاته لمجاهدة أعدائه من الجن والإنس في الجهاد الأصغر وكذلك في الجهاد الأكبر أي مجاهدة النفس وأهوائها والشيطان ووساوسه.
كما أنه إذا افتقر يتوجه إلى الله جل جلاله طالبا منه الغنى وسد الحاجة فيتضرع له وحده لا شريك له عند المسكنة، فيحصل منه على النصر في صولاته وقضاء حاجاته ودفع أو رفع مسكنته وهو تبارك وتعالى أرحم الراحمين ومجيب دعوة المضطرين.
أحباء الله يكثرون من مناجاة الله وطلب الخير منه عزوجل أنسا بدعائه ومناجاته، لكن توجههم إليه عزوجل في سؤال الحاجات الخاصة يكون عند الضرورات والإضطرار والحاجة والإفتقار، فلا يسمحون لها أن توقعهم في شرك التعرض إلى غيره تبارك وتعالى والإستعانة بمن دونه والخضوع له طلبا لسد الفاقة والغنى والقوة.إذ أن الإستعانة بغير الله وفضلا عن كونها خلاف التوحيد الخالص، سبب للخسران المبين لأنها تجعل المستعين بغير الله مستحقا لخذلان الله له ومنع نصرته عنه وإعراضه عنه وإيكاله إلى نفسه والأسباب التي لجأ إليها والأسباب مهما كانت فنصرتها محدودة وعونها ضعيف وغناها يسير ممزوج بالمن والأذى.
ولكن الله تبارك وتعالى أبى إلا أن يجري الأمور بأسبابها كما ورد في كثير من النصوص الشريفة، فكيف نحصر الإستعانة به عزوجل؟ وهل يعني ذلك الإعراض بالكامل عن الأسباب؟
في الإجابة عن التساؤلات المتقدمة نقول – مستمعينا الأفاضل – إن حصر الاستعانة بالله عزوجل يتحقق بتوفر شرطين أساسين هما:
الأول: حفظ التوجه إلى الله عزوجل عند اللجوء إلى الأسباب وطلب العون منه مع استعمالهم والعلم بأن فاعلية هذه الأسباب هي بأمر الله عزوجل وبحوله وقوته، ولا قوة للأسباب ولا حول علي نحو الاستقلال، فنستعين بالطبيب والدواء عند المرض ونحن على يقين بأنهما مؤثران بأمر الله ونجمع هذا العلم إلى طلب الشفاء من الله تبارك وتعالى.
أما الشرط الثاني، فهو الاستعانة بما أمر الله عزوجل بالإستعانة به من الأسباب، واجتناب الاستعانة بما نهى عن الاستعانة به من الأسباب.
فمثلا نهت النصوص الشريفة عن سؤال شرار الخلق فيكون سؤالهم مصداقا للاستعانة بغير الله عزوجل وهو شرك وظلم عظيم.
وفي المقابل أمرت النصوص الشريفة باللجوء إلى خيار الخلق وساداتهم محمد وآله الطاهرون – عليهم السلام – فتكون الاستعانة بهم استعانة بالله عزوجل ومن مصاديق التوحيد الخالص.
قال الله تبارك وتعالى في الآية الخامسة والثلاثين من سورة المائدة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" وقال في الآية السابعة والخمسين من سورة الإسراء "أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ". وروي في كتاب مستدرك الوسائل عن إمامنا الرضا – عليه السلام – قال: "إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا على الله عزوجل وهو قوله عزوجل "وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" ". (سورة الأعراف۱۸۰)
أعزائنا مستمعي إذاعة طهران وفي ختام حلقة اليوم من برنامجكم (سيماء الصالحين) عودة إلى المقطع الثاني عشر من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال فنتوجه مع مولانا زين العابدين _عليه السلام_ قائلين: "اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة وأسألك عند الحاجة وأتضرع إليك عند المسكنة ولا تفتني بالإستعانة بغيرك إذا اضطررت ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت ولا بالتضرع إلى من دونك إذا رهبت أستحق بذلك خذلانك ومنعك وإعراضك يا أرحم الراحمين".