ففي عصر تُعرف فيه "البيانات" بنفط القرن الحادي والعشرين، تُعد أقمار الاستشعار أداة رئيسية لاستخراج هذا "الذهب الرقمي". وبإطلاق قمر "خيام" الصناعي إلى مدار أرضي منخفض (LEO) في 9 أغسطس/آب 2022، خطت جمهورية إيران الإسلامية خطوةً كبيرةً نحو تقليل الاعتماد على البيانات، تحقيق الاكتفاء الذاتي منها، وتطوير اقتصاد الفضاء.
إن "خيام" هو قمر صناعي مسحي بدقة متر واحد، يصور بشكل مستمر التربة والمياه والنباتات والموارد الطبيعية والبنية التحتية والبيئة في البلاد على ارتفاع حوالي 500 كيلومتر فوق سطح الأرض. وكانت هذه الصور تُحصَل سابقًا من السوق العالمية بتكلفة صرف أجنبي وقيود على الوصول، ولكن مع إطلاق قمر "خيام"، حققت إيران تدفقا مستقرا للبيانات المحلية.
كما أن قمر "خيام" للاستشعار قيد التشغيل الآن، وفي أسوأ الأحوال، سيصل عمره الافتراضي إلى عامين ونصف على الأقل. ويتم استقبال صوره يوميا في المحطة الأرضية للبلاد.
يقول الدكتور "وحيد يزدانيان"، رئيس معهد أبحاث الفضاء الإيراني، عن القدرات التقنية لهذا القمر الصناعي:
"يتمتع قمرنا الصناعي "خيام" بالقدرة على التقاط صورة عمودية لنقطة ما، ثم التقاط صورة عمودية لنفس النقطة مرة أخرى بعد 17 يومًا. وإذا التُقطت الصورة بزاوية، فإن هذه الفترة الزمنية تُقلص إلى أربعة أيام. وتُمكّن هذه الدقة من إدارة المناطق الحضرية في فترات زمنية قصيرة ودقيقة.
التطبيقات: من إدارة المناطق الحضرية إلى الزراعة الدقيقة
فيما يخص إدارة المناطق الحضرية، يُمكن لصور "خيام" التي يبلغ طولها مترًا واحدًا تحديد مخالفات البناء، التطوير في المناطق عالية الخطورة، الاستغلال غير المشروع للأراضي والموارد الطبيعية الجبلية، والاستيلاء على الأراضي.
وفي إشارة إلى الكثافة السكانية في طهران التي تبلغ 29 ضعفًا من قدرتها الاستيعابية، يُؤكد يزدانيان أن صور قمر "خيام" الصناعي يُمكنها تحديد المناطق التي تتجاوز طاقة البناء، ومن ثم منع إصدار التصاريح، أو تحديد المناطق المناسبة للتطوير.
في مجال الموارد المائية والبيئة، يُعد "خيام" أداةً مهمةً لإدارة الموارد والحد من الأضرار من خلال مراقبة الأنهار والبحيرات والمسطحات المائية، وتحديد المناطق المعرضة للجفاف أو الفيضانات. ويمكن لأقمار الاستشعار، مثل "خيام"، تقييم حالة موارد المياه وتحديد المناطق المعرضة للخطر قبل وقوع أي أزمة.
تُعدّ الزراعة الدقيقة مجالًا رئيسيا آخر لاستثمار قمر "خيام" الصناعي؛ بدءًا من مراقبة صحة النباتات وصولًا إلى تحديد رطوبة التربة وتقدير غلة ما قبل الحصاد، مما يُحسّن الإنتاجية ويُقلل استهلاك المياه والمدخلات.
القيمة الاقتصادية والحد من انخفاض قيمة العملة
يبلغ سعر الكيلومتر المربع الواحد من الصور بدقة متر واحد حوالي 10 دولارات في السوق العالمية، أي ما يُعادل 280 ألف تومان إيراني تقريبًا؛ ولكن مع قمر "خيام" الوطني، تتراوح هذه التكلفة للكيلومتر المربع بين 124 و125 ألف تومان؛ وهذا يمثل ثلث السعر العالمي على الأقل. وهذا الفارق، إلى جانب الوصول السريع وغير المقيد، جعل من تقليل الاعتماد على العملة ميزة استراتيجية، لا سيما في ظل العقوبات.
الآفاق المستقبلية؛ أنظمة الاستشعار
تخطط إيران لتطوير الأنظمة المتعلقة بأقمار الاستشعار الصناعية لتحسين الإطار الزمني فيما يخص ااستقبال الصور والتغطية الشاملة للأزمات.
ولتكوين كوكبة أقمار صناعية فعّالة، نحتاج إلى ما لا يقل عن 30 إلى 40 قمرًا صناعيًا عاملًا في مداره خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة. والخطوة الأولى هي بناء منصة الأقمار الصناعية، وهي الأصعب؛ ولكن بعد ذلك، يُمكن الإنتاج الضخم بسرعة أكبر.
إن الذكرى الثالثة لإطلاق قمر "خيام" الصناعي تشكل فرصة لأن يحظى هذا الإنجاز الوطني باهتمام أكثر جدية من قبل المؤسسات المسؤولة والقطاع الخاص، ليس فقط باعتباره رمزاً للقدرات الفضائية الإيرانية، بل أيضاً كقوة دافعة لتشكيل اقتصاد قائم على البيانات وترقية نظام إدارة الموارد في البلاد.
أظهر نجاح "خيام" في السنوات الثلاث الماضية أن الاستخدام المستدام لبيانات الأقمار الصناعية ليس ميزةً تكنولوجية فحسب، بل هو أيضًا ضرورةٌ لإدارة البلاد بكفاءة. وقد لعب هذا القمر الصناعي دورًا لا مثيل له في توضيح حالة الموارد، مراقبة البناء، وإدارة الأزمات من خلال تسجيل أكثر من آلاف الصور التفصيلية من جميع أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال الحاجة المُلحة لتطوير أنظمة الأقمار الصناعية وتسريع دورة الإنتاج والإطلاق إحدى الأولويات الاستراتيجية لصناعة الفضاء في البلاد. ويمكن لشبكة أقمار الاستشعار أن تُقلل الوقت المستغرق لاستقبال الصور من أيام إلى ساعات، مما يُتيح إدارة الأزمات والمشاريع الوطنية في آن واحد.
اليوم، لم يعد "خيام" مجرد قمر صناعي؛ بل هو رمزٌ لانتقال الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى عصر الاقتصاد القائم على الفضاء والبيانات. وتتطلب مواصلة هذا المسار عزما وطنيًا واستثمارًا ذكيًا وتعاونًا استراتيجيًا بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأوساط العلمية لخدمة قدرات البلاد الفضائية بشكل مباشر من أجل التنمية المستدامة والأمن القومي.