بسم الله وله الحمد والمجد تبارك وتعالى الرزاق المتين وأكرم الأكرمين، والصلاة والسلام على أبواب رحمته للعالمين محمد المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله وبركاته، يسرنا أن نلتقيكم في حلقة أخرى من برنامجكم هذا نتابع فيه التعرف على صفات أحباء الله وعباده الصالحين من خلال التدبر في مقطع آخر من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال، وقد انتهينا إلى المقطع الرابع والعشرين منه، حيث يدعو مولانا الإمام علي السجاد – صلوات الله عليه – قائلا: "اللهم صل على محمد وآله واكفني مؤونة الإكتساب وارزقني من غير احتساب فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب، ولا أحتمل إصر تبعات المكسب، يا أرحم الراحمين".
مستمعينا الأحبة، معنى الكسب والإكتساب هو طلب المعيشة، والفرق بينهما هو أن الإكتساب فيه مزيد افتعال ناشئ عن اعتناء النفس بتحصيل الغرض وسعيها في طلب المعيشة كما أشار لذلك العلامة السيد علي خان المدني – رضوان الله عليه – في كتابه (رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين) وعلى ضوء هذه التوضيحات، نقول: إن الذي نستفيده هنا هو أن عباد الله الصالحين لا يسمحون لطلب المعيشة بأن يكون (اكتسابا) بالنسبة لهم أي إنهم لا يحملون هم طلب المعيشة ولا يقترن كسبهم لها بحالة من افتعال النفس معه بحيث يستحوذ عليها ويشغلها عن باقي ما ينبغي لهم التوجه لهم من الطاعات، فتكون النتيجة أن يتحول اكتساب المعيشة هما يثقل النفس.
من هنا نفهم أن أحباء الله يستعينون بالله عزوجل لكي يكفيهم مؤونة الإكتساب، أي أن يعينهم على إزالة ثقل ذلك على نفوسهم، بأن لا يحملوا هم الرزق وينشغلوا به عن الطاعات مهما كانت الصعوبات.
ولذلك أيها الأكارم فإن أحباء الله، يطلبون من الله عزوجل أن يرزقهم من غير احتساب أي من حيث لا يتوقعون لكي يغنيهم بذلك عن حمل هم الرزق ويدفع وساوس النفس الداعية إلى انشغال الإنسان بصورة كاملة بطلب الرزق والغفلة بذلك عن عبادة الله تبارك وتعالى.
روي عن مولانا الإمام الصادق – سلام الله عليه – قال: (من أتاه الله برزق لم يخط إليه برجله ولم يمد إليه يده ولم يتكلم فيه بلسانه، ولم يشد إليه ثيابه ولم يتعرض له، كان ممن ذكره الله في كتابه حيث قال "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{۲} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"
وقال عليه السلام: (إن الله عزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون) وقد فسر حديث الصادق – عليه السلام – هذا بأن الحكمة في اختصاص المؤمنين والمتقين بالرزق من حيث لا يحتسبون هي أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه، وهذا يعني تقوية ارتباطهم بالله جل جلاله. كما روي عن الإمام الصادق في بيان قوله "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" قال – عليه السلام – يبارك له فيما آتاه.
والواضح من هذه الأحاديث الشريفة – مستمعينا الأفاضل – أن التقوى بحد ذاتها هي وسيلة للفوز بالرزق الإلهي الخاص، وهذا يعني أن الله تبارك وتعالى قد فتح لعباده أفقا رحبا لتجاوز الظواهر المادية والوسائل المألوفة في تحصيل الرزق وطلب المعيشة، هذا الأفق هو الذي يمكن المؤمن من عدم الإنشغال بالإكتساب بطلب المعيشة بالمقدار الذي يشغله عن العبادة، وفي الوقت نفسه يتوجه للكسب بالمقدار المعقول فيبارك الله فيما آتاه "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ".
مستمعينا الأفاضل، نستفيد أيضا صفة أخرى من صفات عباد الله الصالحين نستلهمها من قول الإمام السجاد – عليه السلام – (فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب ولا أحتمل إصر تبعات المكسب) ومنها يستفاد أنهم يراعون في كسبهم الأحكام الشرعية المرتبطة بالتجارة والكسب بكل جهدهم ويستعينون بالله لكي لا تكون ذممهم مشغولة بتبعات تضييع حقوق الآخرين حتى لو لم تكن عن قصد بل عن غفلة ناتجة من كثرة الإنهماك في العمل.
أي إنهم يتعلمون أولا جميع الأحكام الشرعية المرتبطة بجمال كسبهم ثم يسعون بدقة في العمل بها لكي لا يقع في أعناقهم إصر تبعات العمل الكسبي، فيكون كسبهم حلالا طيبا بالكامل خاليا من الشبهات فضلا عن الحرام أعاذنا الله وإياكم منهم.
أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران في ختام حلقة اليوم من برنامجكم (سيماء الصالحين)، مسك ختامه عودة إلى المقطع الدعائي الذي تناولناه فيه وهو:
"اللهم صل على محمد وآله واكفني مؤونة الإكتساب وارزقني من غير احتساب فلا أشتغل عن عبادتك بالطلب، ولا أحتمل إصر تبعات المكسب، يا أرحم الراحمين".