بسم الله والحمد لله رب العالمين الرزاق ذي القوة المتين، وأطيب صلواته وتحياته على رحمته الكبرى للعالمين حبيبنا محمد المصطفى وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته، على بركة الله نلتفيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتناول فيها المقطع الخامس والعشرين من دعاء مولانا الإمام زين العابدين في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال، حيث يقول صلوات الله عليه: "اللهم فأطلبني بقدرتك ما أطلب وأجرني بعزتك مما أرهب يا أرحم الراحمين".
مستمعينا الأفاضل، المقطع المتقدم كما هو واضح من بدئه (بفاء السببية) تتمة المقطع الرابع والعشرين من الدعاء، وقد جعل مقطعا مستقلا تنبيها لأهمية ما يطلبه الداعي فيه من الله عزوجل.
وواضح أن المقطع الرابع والعشرين يشير إلى تحلي عباد الله الصالحين بفضيلة شدة احتياطهم في رعاية الأحكام الشرعية في شؤون الكسب وطلب المعيشة لكي يكون طعامهم حلالا طيبا دائما. كما أنهم لا يسمحون للكسب الذي لابد منه، أن يشغلهم عن عبادة الله وطاعته عزوجل.
وهذا ما يطلبه المؤمن في المقطع المتقدم من الله عزوجل داعيا أن يعينه على التحلي بهذه الفضيلة من خلال مؤازرة جهوده لكي لا يشغله كسب المعيشة عن عبادته، ويحصنه من أن يغفل فيقع في تضييع حق لأحد فيبقى في ذمته.
ولذلك يتوجه المؤمن إلى الله عزوجل قائلا: "اللهم فأطلبني بقدرتك ما أطلب"، ومعنى أطلبني هو أسعفني، أي أعني بقدرتك على تحقق ما أطلبه من حلال الكسب وطيب العيش وخلوة من الشبهات، وأجرني بذلك مما أخافه من تبعات الإشتغال بالكسب عن العبادات والطاعات والغرق في الماديات، وكذلك من تبعات عدم رعاية أحكام التجارة والكسب فأضيع حقوق الآخرين فيكون طعامي مما تلوثه الشبهات.
أيها الإخوة والأخوات، وقد حثت كثير من الأحاديث الشريفة على التحلي بهذه الفضيلة من فضائل أحباء الله، منها ما روي في كتاب الكافي عن مولانا الإمام الباقر – عليه السلام – قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع: ألا إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله، فإن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حرما، فمن اتقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حله، ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة).
أيها الأطائب ومعنى قوله صلى الله عليه وآله (أجملوا في الطلب): هو أن لا يستحوذ السعي لكسب العيش والثروة والرزق على كل جهدهم ويستنزف كل طاقاتهم فيغفلو عن العبادات والطاعات.
مستمعينا الأفاضل، وفي مقابل حث المؤمنين على الإجمال والتوازن في طلب الرزق، نهت الأحاديث الشريفة أيضا عن ترك السعي في طلب الرزق، روي في الكافي عن علي بن عبد العزيز قال: قال لي أبو عبد الله الصادق – عليه السلام –: ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة. فقال – عليه السلام –: ويحه، أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له، إن قوما من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله – لما نزلت [آية] "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{۲} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" أغلقوا الأبواب [إشارة إلى تركهم الكسب] وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله، الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال – صلى الله عليه وآله –: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب [أي الكسب].
مستمعينا الأطائب، وها نحن نصل إلى نهاية حلقة أخرى من برنامجكم (سيماء الصالحين) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، مسك ختامه المقطع الدعائي الذي تناولناه فيه وهو: "اللهم فأطلبني بقدرتك ما أطلب وأجرني بعزتك مما أرهب يا أرحم الراحمين".