بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد غاية آمال العارفين والصلاة والسلام على أسوة عباده الصالحين المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
سلامٌ من الله عليكم إخوتنا المستمعين، معكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نستلهم فيه طائفة أخرى من الصفات أخرى من الصفات المميزة لأحباء الله من خلال التدبر في دعاء مولانا الإمام زين العابدين الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، قال- صلوات الله عليه - في المقطع الثامن عشر منه:
"اللهم صلى على محمد وآله، ومتعني بالإقتصاد واجعلني من أهل السداد ومن أدلة الرشاد ومن صالحي العباد وارزقني فوز المعاد وسلامة المرصاد…يا أرحم الراحمين".
الصفة الأولى من صفات الصالحين والتي نستلهما من المقطع المتقدم هو كونهم يتمتعون بالإقتصاد، أي أنهم يحفظون سلامة نفوسهم وإتزانها وسكينتها من خلال الإلتزام بالإقتصاد، في العقائد والأفكار والأقوال والأفعال، ومعنى الإقتصاد هو التمسك بالمنهج العدل والقصد والوسط الخالي من الإفراط والتفريط. ومثاله في مجال الإنفاق هو الذي أشار القرآن الكريم ضمن حديثه عن صفات عباد الرحمان في سورة الفرقان حيث قال في الآية ٦۷ منها:
"وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً".
فمن سيماء الصالحين إجتنابهم في كل سلوكياتهم الإفراط والتفريط ففي العبادة مثلاً لا يفرّطون فيها فيغفلون عن النوافل بالكامل ويحرمون أنفسهم من آثارها الجميلة، كما أنهم لا يفرطون في النوافل والمستحبات الى الدرجة التي تجعلها نقيلة على نفوسهم وبالتالي تولّد فيها الكراهة للعباد وبذلك يسلب المفرط من نفسه التمتع والإلتذاذ بالعبادة، وهكذا الحال مع طلب الرزق والكسب وغير ذلك.
أيها الاخوة والأخوات، أما الصفة الثانية التي يعلمنا مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام التحلي بها وهو يدعو الله في المقطع المتقدم فهي أن نكون من أهل السداد، ومعنى السداد هو الصواب في الأقوال والأفعال، أي أن من سيماء الصالحين صدق إجتهادهم في مراقبة نفوسهم وأقوالهم وأفعالهم لكي تكون جميعاً صحيحة سليمة مطابقة مجتنبة للخطأ والإنحراف.
والثالثة من خصالهم أيها الأعزاء هي كونهم من أدلة الرشاد، أي أنهم ممن يستهدى بأقوالهم وأفعالهم وسيرتهم لمعرفة الهدى والإستقامة على الصراط الإلهي المستقيم.
أما الصفة الرابعة المستفادة من المقطع الثامن عشر من دعاء مكارم الأخلاق وهي كونهم (من صالحي العباد)، وقد عرّف العلماء العبد الصالح بأنه الذي يؤدي حقوق الله وحقوق الناس عليه، فهم يعظمون الخالق ويخدمون الخلق وهذان هما جناحا الوصول الى الله والعرفان الحقيقي كما يقول العارف الامام الخميني رضوان الله عليه في رسالته السلوكية لولده السيد أحمد الخميني – رحمة الله عليه-.
أيها الاخوة والأخوات، ونستفيد من المقطع الدعائي السجادي المتقدم صفة خامسة من صفات عباد الله الصالحين وهي كونهم يتحلون بصدق الإيمان بالمعاد واليوم الآخر والحساب الإلهي، بحيث يندفعون للإستعانة بالله عزوجل لكي يقوموا بصالحات الأعمال التي تؤدي الى فوزهم في المعاد ونجاتهم من أخطار المرصاد الإلهي، ويجتنبون ما يوقعهم في هذه الأخطار ويطيل حبسهم في قناطر المرصاد، كما أشارت لذلك عدة من الأحاديث الشريفة.
روي عن مولانا الإمام الصادق- عليه السلام- أنه قال في قوله عزوجل:
"إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"(سورة الفجر۱٤)– "الْمِرْصَادِ" قنطرةٌ على الصراط لا يجوزها عبدٌ بمظلمة عبد.
كما روي عن الإمام الباقر- عليه السلام. قال: يوضع على جهنم صراط أدق من الشعر وأقطع من السيف، عليه ثلاث قناطر: الأولى عليها الأمانة والرحم، والثانية عليها الصلاة، والثالثة عليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون [أي الخلائق] الممر عليها، فتحبسهم الأمانة والرحم، فإن نجوا منها حبستهم الصلاة، فان نجوا منها كان المنتهى الى رب العالمين جل ذكره، وهو قوله تبارك وتعالى "إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ".
إذن أعزاءنا المستمعين فالخامسة من صفات أحباء الله صدق إجتهادهم في الدار الدنيا للعمل بما فيه نجاتهم في الآخرة ولقاء الله عزوجل في مقاعد الكرامة، رزقنا الله وإياكم ذلك ببركة التمسك بولاية خلفائه المعصومين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، وبهذا نصل الى مشارف نهاية حلقة أخرى من برنامجكم (سيماء الصالحين) مسك ختامها هو التوجه معاً الى الله عزوجل بالمقطع الدعائي الذي تناولناه فيها وهو:
"اللهم صلى على محمد وآله، ومتعني بالإقتصاد واجعلني من أهل السداد ومن أدلة الرشاد ومن صالحي العباد وارزقني فوز المعاد وسلامة المرصاد…يا أرحم الراحمين".