بسم الله وله الحمد منزل البركات اللطيف الخبير، وأطيب صلواته على مطالع نوره وأبواب رحمته ومعادن حكمته محمد النبي الأمين وآله الطاهرين. السلام عليكم أعزائنا المستمعين على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتناول فيها المقطع الثالث والعشرين من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال وهو من غرر أدعية الصحيفة السجادية المباركة، وفيه يقول مولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه: "اللهم صل على محمد وآله وأمنعني من السرف وحصن رزقي من التلف ووفر ملكتي بالبركة فيه وأصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه، يا أرحم الراحمين".
يهدينا المقطع المتقدم إلى سيماء عباد الله الصالحين وصفاتهم فيما يرتبط بحسن الإستفادة مما ينعم الله به عليهم من الأموال والثروة.
أولى هذه الصفات هي استعانتهم بالله عزوجل في شدة تورعهم عن السرف أي الإسراف بما يعنيه من صرف المال – ولو كان قليلا – في غير موضعه ودون فائدة.
كما أنهم يهتمون بحفظ أموالهم وأرزاقهم من التلف ليس عبودية للدنيا والماديات بل لأنها نعمة إلهية ينبغي احترامها حمدا لمعطيها وواهبها، إذ أن إتلاف هدية أو عطية أي منعم هو في الحقيقة نوع من إساءة للمنعم نفسه وهذا ما يتنزه عنه عباد الله الصالحون.
الصفة الثالثة من صفات أحباء الله المستفادة من المقطع المتقدم من الدعاء هي كونهم يطلبون من الله عزوجل أن يبارك في أرزاقهم ويبارك في ملكيتهم لها. ويتحرون السبل العملية لزيادة البركة فيها ويعلمون بها مثل إعطاء الزكاة التي تنمى المال، سواء الزكاة الواجبة أو الإنفاقات المستحبة أما الصفة الخامسة فهي تحريهم في الإصابة سبيل الهداية للبر وطلبهم ذلك من الله عزوجل.
والمعنى هو أنهم يهتمون باختيار أفضل موارد الإنفاق والإحسان للآخرين وأفضل موارد صرف المال على نفسه وعلى من يتولى نفقته من عائلته وعلى الآخرين ممن يستحقون العون والمساعدة.
إن عباد الله الصالحين يسعون إلى إختيار مصاديق للبر والمعروف والإحسان بحيث يكون إنفاق أموالهم فيها أكثر جدوى ومنفعة لمن تقدم لهم المساعدات وكونهم يحتاجونها حقا مع حفظ الأولويات الشرعية للإنفاق، مثل تقديم الأرحام وأولى القربى وكذلك تقديم المؤمنين على غيرهم، وكذلك تقديم المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا وتحسبهم أغنياء من التعفف رغم شدة حاجتهم، وكذلك تقديم ذرية النبي الأكرم وفاء وتكريما لجدهم – صلى الله عليه وآله –، وغير ذلك من الأولويات المذكورة في النصوص الشريفة.
كما أن العباد الصالحين يجتهدون لإصابة سبيل الهداية للبر وفعل الخير في جانب النية فإنهم يقومون ذلك في سبيل الله وابتغاء مرضاته تبارك وتعالى.
أيها الإخوة والأخوات، أما الآن فنقل لكم نموذجا لإصابة سبيل الهداية إلى البر من سيرة صاحب هذا الدعاء الشريف مولانا الإمام السجاد – عليه السلام –، وذلك ضمن حديث العلامة الأديب السيد علي خان المدني الحسيني عن هذا المقطع من الدعاء في شرحه للصحيفة السجادية الذي سماه (رياض السالكين) قال – رضوان الله عليه –: (اعلم أن مدار هذا الفصل من الدعاء على سؤال صيانة المال وتوفيره وإنفاقه في أبواب البر، ولما كان قوام العباد في أمر المعاش والمعاد، ظاهر النفع في باب الحسنات بين الجدوى في أسباب الخيرات.. سأل عليه السلام منعه من السرف وصونه من التلف.. ثم كان الغرض من المال إقامة أوامر الله تعالى ومرضياته من أداء الحج.. والشفقة على ضعفاء المسلمين وصلة الأرحام.. إلى غير ذلك من أبواب البر سأل عليه السلام إصابته به سبيل البر فيما ينفق منه.. حكي الزمخشري في ربيع الأبرار قال: (لما توجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لإستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين – عليهما السلام – إلى نفسه أربعمائة منافية [أي قرشية من بني عبد مناف] بحشمهن، فكان يعولهن إلى أن تقوض جيش مسلم بن عقبة، فقالت امرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي بمثل هذا التشريف).
إخوتنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، نشكر لكم جميل الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (سيماء الصالحين)، مسك ختامها تلاوة ثانية للدعاء الذي استنرلنا به فيها وهو: "اللهم صل على محمد وآله وأمنعني من السرف وحصن رزقي من التلف ووفر ملكتي بالبركة فيه وأصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه، يا أرحم الراحمين".