خبير البرنامج: الدكتور سعدي الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل في كل مكان حياكم الله وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد حيث يسرنا أن نجدد اللقاء بكم بين ربوع الشعر وبساتين قوافيه حيث الكلمة الجامعة بين الأصالة والجمال عبر برنامجكم الأسبوعي سير القصائد. وما يزال مركبنا يطوف بين أرجاء الفردوس المفقود أرض الأندلس التي أنجبت العديد من الشعراء الموهوبين الذين أثروا مسيرة الشعر العربي بقصائدهم في مختلف الأغراض الشعرية ومنهم ابن دراج القسطلي الذي سنواصل التطواف في حلقة هذا البرنامج بين أرجاء مطولته في مدح خليفة الأندلس المنصور بن أبي عامر والتي عارض من خلالها قصيدة الشاعر أبي نواس التي مدح فيها الخطيب ابن عبد الحميد صاحب الخراج بمصر التي أولها:
أجارة بيتين أبوك غيور
وميسور ما يرجى لديك عسير
المحاورة: فلنستمع مستمعينا بعد الفاصل بالطبع وقبل أن يجمعنا اللقاء مع خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، نستمع الى المزيد من أبيات هذه القصيدة التي تذكرنا بجزالة القصائد الجاهلية وفخامتها والتي تشهد للشاعر بأنه كان حقاً متمكناً من أزمة الشعر دون أن يعتريه الضعف. اذن نستمع.
أمير على غول التنائف ماله
اذا ريع إلا المشرفية وزير
ولو ظفرت بي والسرى جلّ عزمتي
وجرسي لجنان الفلات سمير
وأعتسف المومات في غسق الدجى
وللأسد في غيل الغياض زئير
وقد حومت زهر النجوم كأنها
كواعب في خضر الحدائق حور
ودارت نجوم القطب حتى كأنها
كؤوس مهى والى بهن مدير
وقد خيلت طرق المجرة أنها
على مسرق الليل الرهين قتير
وثاقب عزمي والظلام مروع
وقد غض أجفان النجوم فتور
لقد أيقنت أن المنى طوع همتي
وأني بعطف العامري جدير
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات مستمعينا الأفاضل مجدداً وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد. نرحب بضيفنا في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو السلام عليكم دكتور
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وحياكم الله وحيا المستمعين الكرام
المحاورة: دكتور في الحلقة الماضية تحدثنا شيئاً عن الشاعر الأندلسي القسطلي وسر تلك الفخامة والجزالة التي نراها تسود أشعاره حتى ليظن القارئ أنها لشاعر من الشعراء المتقدمين، كيف يمكننا أن نطبق هذه المواصفات التي ذكرتموها لأشعار ابن دراج على قصيدته التي نحن بصددها في المدح والفخر بالنفس؟
الشحمان: نعم الحقيقة الأمر كما تفضلتم، السمة البارزة التي تطالعنا وتلفت انظارنا في أشعار ابن دراج القسطلي هي الفخامة والمتانة والحبكة المحكمة لأشعاره وكما ذكرتم يذكرنا بالشعراء الذين سبقوه وخاصة في العصر الجاهلي او العصر الأموي وقد نجح في ذلك فهو قلد هؤلاء الشعراء من هذه الناحية ولكنه كان ناحجاً في تقليده الى حد كبير وكان مبدعاً في نفس الوقت، كانت له صوره الشعرية الخاصة به.
المحاورة: كما ذكرتم دكتور كانوا يلقبونه بمتنبي المغرب العربي
الشحمان: نعم وهو كذلك بالفعل، يبدو أنه كانه كان متأثراً الى حد كبير بأشعار المتنبي وخاصة القصائد التي كان يعمد فيها المتنبي الى المدح والى وصف الحروب وشجاعة الممدوح دون أن يعرج في هذا الى مدح نفسه، كان هذا ديدن المتنبي..
المحاورة: يعني كان هناك الفخر ايضاً في أشعاره.
الشحمان: نعم كان ايضاً من عادة ابن دراج في قصائده المدحية وخاصة في مدح الدولة العامرية اذا صح التعبير. بقي أن نقول هنا إن ابن دراج بالاضافة الى غرضه الرئيس وهو المدح الى خصوصية اخرى وهي أنه كان شاعراً غزيراً فذكر المؤرخون والنقاد أن ديوانه كان يبلغ ستة آلاف بيت وله قصائد اخرى فهو يعتبر من أغزر الشعراء الأندلسيين ومن أغزر الشعراء في مسيرة الشعر العربي من حيث الانتاج. بالنسبة للقصيدة التي نحن بصددها في هذا البرنامج وكما قلنا هي قصيدة مدحية، مدح حاكم الدولة الأندلسية في ذلك الوقت العامري، نلاحظ هذه الخصوصيات بوضوح خاصة في هذه القصيدة رغم أن موضوعها المدح وهو يعتبر من الأغراض الصعبة جداً اذ يشترط أن يكون مدحاً جيداً أن يكون صادقاً..
المحاورة: نعم نراه بارعاً في هذا الغرض
الشحمان: نعم برع في هذا الغرض وبرأيي برع في هذا الغرض لأنه تشعب من هذا الموضوع وتفرع الى مواضيع اخرى فهو فخر بنفسه، بدأ القصيدة بمقدمة جميلة جداً خاطب فيها مثلاً زوجته على عادة الشعراء الجاهليين وكانت هذه المقدمة جميلة للغاية. وايضاً ساير الشعراء الجاهليين في مواضيعهم من حيث وصف رحلته فوصف رحلته في هذه القصيدة ثم بعدها تخلص الى موضوع القصيدة الرئيس وهو المدح وايضاً كان مبدعاً في مدحه. في الحقيقة الحديث يطول ولكن أود أن أذكر هنا أن له أشعاراً بالاضافة الى المدح في رثاء مدينته قرطبة. هي قصيدة جميلة تستحق أن نخصص لها الوقت الكافي او نخصص لها حلقة او اكثر من حلقة لدراستها، يقول فيها:
بقاء الخلائق رهن الفناء
وقصر التداني وشيك التنائي
هل الملك يملك ريب المنون
أم العز يصرف صرف القضاء
هو الموت يصدع شمل الجميع
ويسكو الربوع ثياب العفاء
فما في العويل له من كفيء
ولا في الدموع له من شفاء
فهيهات فيه غناء الزفير
وهيهات منه انتصار البكاء
وأنى يدافع سقم بسقم
وكيف يعالج داء بداء
الشحمان: القصيدة طويلة وهذه أبيات منها. ذكرتها في باب ذكر أشعار في غير المدح.
المحاورة: دكتور اذا تسمح لنا نأخذ فاصل وبعد هذا الفاصل القصير بالطبع نواصل الحديث أكثر فأكثر عن شاعرنا لهذه الحلقة ابن دراج القسطلي.
سير القصائد
برنامج يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران
أنتم معنا في رحاب هذا البرنامج الذي يستعرض روائع الشعر العربي على مر العصور من خلال التعاون مع خبراء الأدب والشعر.
سير القصائد
يبث بحضراتكم مساءاً عند الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من كل يوم اثنين ويعاد بثه في الساعة السادسة واربعين صباحاً من يوم الأربعاء حسب التوقيت المحلي لمدينة طهران.
المحاورة: حياكم الله مستمعينا الأفاضل نعود في هذه الدقائق الأخيرة لضيفنا في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان، دكتور ماذا عن ابن دراج القسطلي في عيون النقاد؟
الشحمان: نعم في الحقيقة قيل عنه الكثير والكثير رغم أنه كان شاعراً مبدعاً وشاعراً جزلاً في شعره، منهم الثعالبي مثلاً قال عنه وهو الذي اطلق عليه أنه متنبي الشرق، قال عنه الثعالبي "كان في الأندلس كالمتنبي في الشام". وايضاً قال عنه الناقد الحميدي الأندلسي "هو معدود في جملة العلماء والمقدمين من الشعراء والمذكورين من البلغاء وشعره كثير يدل على علمه وله طريقة خاصة في البلاغة والرسائل تدل على إتساعه وقوته". ايضاً قال عنه الناقد المعاصر الدكتور احمد ضيف وهو غير شوقي ضيف طبعاً "شعره هو في جملة من يتردد على موائد الأدب ليتذوق من كل لون طعماً ويجمع هذه الطعوم ليجعل له مائدة خاصة به يدعو اليه الآكلين وكأنهم يأكلون من مائدته". هذه من الأقوال.
المحاورة: نعم نبذة عن أقوال النقاد. على العموم مشكور دكتور لهذه الايضاحات
الشحمان: حياكم الله واشكركم على حسن الاستضافة
المحاورة: شكراً على الايضاحات لشاعرنا لهذه الحلقة ابن دراج القسطلي وشكراً لكم مستمعينا الأفاضل لطيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامج سير القصائد حتى الملتقى في حلقة قادمة من البرنامج نترككم في رعاية الله.