ضيف البرنامج: الدكتور الاستاذ سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم اخوتنا المستمعين في كل مكان نبعث اليكم تحية الحب والود والوفاء ويسرنا أن نلتقيكم من جديد عبر محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي ذخائر العبر حيث الدروس والعبر والمواعظ التي من شأنها أن تدفع بحياتنا قُدماً الى الأمام وتُجنّبنا مزالقها وهفواتها عبر عدم الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها الآخرون. ندعوكم الى المتابعة
المحاورة: أيها الأعزة الكتاب الذي سنجول في صفحاته هذا الأسبوع وعلى مدى حلقتين هو رائعة العارف والصوفي أبي الحسن الهجويري "كشف المحجوب" الذي يُعد من مصادر التصوّف والعرفان المهمة ويكتسب أهميته من كونه يُمثل أول المصادر التاريخية في هذا المجال حيث سيحدثنا ضيف البرنامج العزيز الأستاذ الدكتور سعد الشحمان؛ في القسم الأول من حديثه طبعاً المخصص في هذه الحلقة عن شخصية مؤلف الكتاب ومكانته واهميته. نرحب بكم ضيفنا الكريم خير ترحيب
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الكرام
المحاورة: وعليكم السلام
الشحمان: نعم سنتكلم عن المؤلف وعن كتابه كشف المحجوب في هذه الدقائق المتاحة لنا إن شاء الله. دعينا اولاً نتحدث عن المؤلف نفسه وهو علي بن عثمان الهجويري الذي ألّف هذا الكتاب وكما نستنبط من القرائن التي وصلت الينا أن تأليف هذا الكتاب بدأ في عالم ٤٦٥ للهجرة وإنتهى بعد عام ٤٦۹ للهجرة فهو يعتبر من كتب القرن الخامس الهجري ويحمل نثره خصائص هذا العصر وهو من أقدم الكتب التي اُلفت باللغة الفارسية في مجال التصوف ونظراً الى اهمية هذا الكتاب في مجال التصوف والعرفان فقد شكّل هذا الكتاب احد مصادر العطّار النيسابوري في كتابه الشهير تذكرة الأولياء أما بالنسبة الى المؤلف الذي يُنسب الى منطقة هجوير ...
المحاورة: أستاذ عفواً يعني يُلفظ بشكلين هُجويري وهَجويري أيهما أصح؟
الشحمان: نعم يبدو أن الهُجويري هم الأصح نسبة الى منطقة او محلة كانت تُعرف بهذا الأسم في غزنة وكان الهُجويري من متصوفة القرن الخامس الهجري ويحتل مكانة كبيرة في عالم التصوف وهو معروف بين الناطقين باللغة الفارسية وبين الناطقين باللغة العربية على حد سواء.
كان تلميذاً للمتصوف الشهير أبي العباس الشقاني وفي مجال الطريقة كان تابعاً لأبي الفضل محمد إبن الحسن الختلي والختلي نفسه كان نفسه من مريدي أبي الحسن البصري؛ لاتوفر لدينا معلومات دقيقة حول سنة ولادة هذا المتصوف وسنة وفاته. مما يدل على مكانته السامقة في عالم التصوف أن أحد أساتذته كان القشيري المعروف وكان الهُجويري على معرفة كاملة به وكانت له علاقات وثيقة مع أساتذة الطريقة الصوفية من مثل الشيخ أبي القاسم القشيري كما قلنا والشيخ أبي سعيد أبي الخير وكبار التصوف والحديث الآخرين وكان مرشده في التصوف الختلي وكان الختلي نفسه يتبع طريقة الجُنيد البغدادي في التصوف وكعادة المتصوفة فقد إنشغل كما يقولون في السير في الآفاق والأنفس وبالمناسبة الهُجويري يعتبر ايضاً من الرحالة بالإضافة الى التصوف نظراً للأسفار الكثيرة التي قام بها الى الشام والى العراق والى آذربايجان والى طبرستان وخوزستان وخراسان وكرمان وبلاد ماوراء النهر وأدرك الكثير من أساتذة التصوف في عصره وإستمرت رحلاته حوالي أربعين عاماً ومن ضمن الخصائص التي كان يتميز بها في طريقته في التصوف أنه كان يحاول تجنب الملابس الظاهرية للتصوف يعني لم يكن يرتدي الزي الظاهري المعروف للتصوف وكان يعتبر ذلك من علامات الرياء.
بالنسبة الى كتابه كشف المحجوب الكتاب الشهير في الحقيقة فعلينا ان لانستهين بهذا الكتاب لأن هذا الكتاب يعتبر من المراجع ومن المصادر الأساسية في مجال التصوف وهو الكتاب الوحيد الذي وصلنا من الهُجويري وبحث فيه حقيقة التصوف ومعناه وشرح الألفاظ والمصطلحات الشائعة بين المتصوفين وقم بتعريف القراء بعادات المتصوفين والفرق التي إنقسموا اليها فهو كتاب جامع وشامل في هذا المجال ونثره سهل وواضح وشفاف ويخلو من الحواشي والتكلّف وهذه ايضاً ميزة اخرى تُميّز هذا الكتاب الخالد والرائع.
المحاورة: طيب شكراً أستاذ نتحدث عن هذا الكتاب في الحلقة القادمة إن شاء الله ونشكرك كل الشكر على هذه الإضاءات القيمة التي سلطُتها على شخصية مؤلف كتاب كشف المحجوب لأبي الحسن الهُجويري ونستودعك الله وإن شاء الله في الحلقة القادمة نكمل الحديث عن هذا الكاتب.
الشحمان: نعم إن شاء الله
المحاورة: نعم إن شاء الله والان نستمر معكم مستمعينا الأعزة من خلال إستعراض بعض الجوانب مما ضم هذا الكتاب بين دفتيه.
في العلم والعمل
إعلم أنه يمكن عمل الكثير من علم قليل وينبغي أن يكون العلم مقروناً بالعمل كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتعبد بلا فقه كالحمار في الطاحونة" فشبّه المتعبدين بلا فقه بحمار الطاحونة لأنه مهما يدور يظل في مكانه ولايقطع أي طريق. ورأيت طائفة من العوام فضلت العمل على العلم وكلاهما باطل لأن العمل بلا علم لايكون عملاً فالعمل يصير علماً حين يكون موصولاً بالعلم ليكون العبد بذلك متجهاً لثواب الحق؛ مثال ذلك الصلاة فإنه مالم يكن العلم اولاً بأركان الطهارة ومعرفة الماء والقبلة وكيفية النية وأركان الصلاة فالصلاة لاتكون صلاة ومادام العمل يصير عملاً بعين العلم فكيف يقول جاهل بفضله عنه وأولئك الذين فضلوا العلم على العمل على باطل ايضاً لأن العلم بلا عمل لايكون علماً فالتعلم والحفظ والإستيعاب كلها عمل لن العبد مثاب بذلك ولو لم يكن علم العالم بفعله وكسبه لما كان له من ذلك أي ثواب.
أصناف الناس
قال شيخ المشايخ إبن معاذ الروزي رحمه الله إجتنب صحبة ثلاث أصناف من الناس؛ العلماء الغافلين والفقراء والمداهنين والمتصوفة الجاهلين وإختاروا السهولة من الشرع وإتخذوا عبادة السلاطين وصيّروا بلاطهم مطافهم وجعلوا جاه الخلق محرابهم وإنخدعوا بغرور بهارتهم وأطلقوا لسان طعنهم في الأئمة والأساتذة ومن ثم صيّروا الحقد والحسد مذهباً. أما الفقراء المداهنون فهم الذين حين يكون فعل شخص موافق لهواهم وأن يكن باطلاً فإنهم يمدحونه به وحينما يعمل عملاً على خلاف هواهم وإن يكن حقاً فإنهم يذمونه به وهم بمعاملتهم يطمعون في الجاه من الخلق ويُداهنونهم على الباطل، أما المتصوف الجاهل فهو الذي لم يصحب شخصاً ولم يتلقى الأدب عن كبير ولم يذق عكر الزمان له ويلقي بنفسه بين الصوفية ويسلك في الخزي طريق الإنبساط في صحبتهم وقد حمله حمّوه على أن يظن الجميع مثله ومن ثم يشكل عليه طريق الحق والباطل.
علم الله
علم الله هو علم يعلم به جملة المعدومات والمعلومات ولامشاركة للخلق معه وهو غير متجزأ وغير منفصل عنه فعلمه لاحق بالأسرار ومحيط بالظواهر وينبغي للطالب أن يعمل الأعمال في مشاهدته بحيث يعلم أن الله بصير به وبأفعاله. وترد حكاية أنه كان في البصرة رئيس ذهب الى حديقة الله فوقعت عينه على جمال امرأة فلاّح فأرسل الرجل لشغل وقال للمرأة غلّقي الأبواب، قالت: غلّقت كل الأبواب الاّ باباً لاأستطيع إغلاقه. قال: أي باب هذا؟ قالت: الباب الذي بيننا وبين الله جلّ جلاله فندم الرجل وإستغفر.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل سنواصل التجوال بين دفتي كتاب كشف المحجوب لأبي الحسن الهُجويري في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله، حتى ذلك الحين نستودعكم العلي القدير والى الملتقى.