ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين الأكارم من دواعي سرورنا أن يستمر تواصلنا معكم عبر رياض الأدب الفارسي الزاخر بالدروس والعبر من خلال برنامجكم الأسبوعي ذخائر العبر حيث سنجول معكم في قصص وحكايات اخرى مُثقلة بالحكم ومُفعمة بالمواعظ راجين منكم مُرافقتنا
المحاورة: أعزتنا المستمعين كثيرة هي القصص والحكايات المشتركة بين تراث الأمم والشعوب وكثير هم الأدباء والشعراء من مختلف ارجاء الأرض الذي بادروا الى صياغة تلكم القصص والحكايات شعراً تارة ونثراً تارة اخرى، كل حسب أسلوبه وكل حسب بيئته ومن بين تلك القصص القصة التي عُرفت في تراث تلك الأمم والشعوب بسلامان وأبسال ووجدت طريقها في التراث اليوناني الى تراث شعوب اخرى مثل العرب والإيرانيين والهنود وهي بشكل عام قصص رمزية تكتسب الطابع الفلسفي في بعض الأحيان. عن هذه القصة ورموزها ودلالاتها وإنعكاساتها في التراث الأدبي الإيراني سيحدثنا خبير البرنامج الدكتور الأستاذ سعد الشحمان اهلاً بكم ضيفنا الكريم والسلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته، أنا ايضاً بدوري أرحب بكم وبالمستمعين الأعزاء
المحاورة: أستاذ حديثنا سيكون عن هذه القصة في قسمين، نرجو من حضرتك أن تحدثنا في القسم الأول عن هذه القصة، نشأتها ودلالاتها والرموز التي جاءت فيها، تفضل
الشحمان: في الحقيقة هذه القصة كثر الحديث عنها وكثرت تجلياتها في الأدبيات الفلسفية وفي الأدب نفسه في مجال الشعر وهي تُعد من أشهر القصص الرمزية التي وصلتنا حالها في ذلك كحال الكثير من القصص الرمزية الأخرى ذات الدلالات الفلسفية والعرفانية وهي في الأصل تعتبر مزيجاً من المعتقدات المشتركة بين الأديان الهندية من جهة التي تعتبر أدياناً شرقية وبين العقائد الهرموسية والنيوأفلاطونية في اليونان حيث نجد التمازج يبلغ ذروته في هذه القصة. هذه القصة كما قلنا هي قصة قديمة كُتبت في الأصل باليونانية وتُرجمت في القرن الثالث الهجري على يد المترجم حنين بن اسحق؛ تُرجمت الى العربية ولكن أكثر المؤرخين يَرون أنها ذات جذور هندية كما نلاحظ من الأسماء المستخدمة وهي سلامان وابسال تشبه بعض الكلمات الهندية فمن المُرحج إنها في الأصل قصة هندية قديمة تُرجت الى اليونانية ومن اليونانية الى العربية وفيما بعد تُرجمت الى الفارسية وتُرجمت ايضاً شعراً على يد الشاعر المعروف الجامي والذي نحن بصدد سرد القصة حسب مارواها الشاعر الكبير الجامي. هذه القصة تعتبر رمزاً لكائنات جميلة تهبط الى الأرض كما تفيد بذلك القصة او الرواية الهندية؛ هذه الكائنات الجميلة تهبط لإغواء الزهاد والنُسّاك وآبسال او أبسال هي رمز لواحدة من هذه الحوريات نزلت لإغواء هذا الفتى الذي يُسمى سلامان والذي كان أبوه ملكاً، حسب ماتُفيد الرواية اليونانية كان ملكاً من ملوك اليونان وكان يريد لإبنه أن يكون زاهداً كما هو الحال بالنسبة اليه. هذه القصة في الحقيقة كما قلنا هي قصة فلسفية في الأصل ومن الممكن أن تكون لها دلالات عرفانية ايضاً وهي تشبه الى حد كبير القصة التي أوردها الفيلسوف الكبير والطبيب إبن سينا وكتبها في الأصل إبن طفيل وبعد ذلك رواها إبن سينا وهي قصة حي بن يقظان وهي قصة فلسفية من الدرجة الأولى. هناك ايضاً روايات اخرى لقصة سلامان وأبسال حتى قيل إنها قصة عربية في الأصل يعني سلامان وأبسال يُمثلان أخوين حاولت إحدى الفتيات الجميلات أن تُفرق بينهما، بالنسبة الى القصة التي نحن بصددها خلاصتها إنها قصة أحد الأمراء اليونانيين الذي اُبتلوا بعشق مربيته وكانت تُدعى أبسال وكما قلنا ان والده الملك كان يميل الى الزهد وكان عازفاً عن النساء وكان يكره لإبنه أن يتقرب من النساء فما كان من سلامان وأبسال إلاّ أن هربا الى جزيرة نائية بعيدة ولكن الملك أراد أن يُجبر إبنه على ترك هذه الفتاة ويختار له الطريق الذي إختاره لنفسه فغاص سلامان وأبسال في البحر ولكن الملك أنقذ إبنه وترك أبسال في حالة الغرق وتروي القصة أن سلامان ما لبث أن تحرر من عشق أبسال على إثر إرشادات حكيم البلاط ومستشار الملك فأصبح بذلك أبسال مستحقاً للمُلك. هذه خلاصة وإن شاء الله سنكمل حديثنا عن هذه القصة الممتعة في الحلقة القادمة إن شاء الله
المحاورة: إن شاء الله، أستاذ نشكرك على هذه الإيضاحات القيمة وعلى هذا الحضور معنا في برنامج ذخائر العبر ونستودعك الله، ندعوكم الى متابعة الخلاصة التي اعددناها عن مجريات قصة سلامان وأبسال كما وردت في المنظومة التي خصصها الشاعر الإيراني عبد الرحمن الجامي، تابعونا
كان في قديم الزمان ملك وكانت له مملكة الروم الى ساحل البحر مع بلاد اليونان وأرض مصر وكان هذا الملك ذا علم غزير، شديد الإطلاع على الصور الفلكية وكان الحكيم الألهي لبلاطه من أساتذته أصحابه فتعلم منه جميع العلوم الخفية وكان يستشيره في كل اموره وكان هذا الملك لايلتفت الى النساء وكان يكره معاشرتهن فأشار الحكيم عليه أن يتزوج امرأة ذات حسن وجمال تحمل منه ولداً ذكراً فأبى الملك ذلك. فقال له الحكيم: أيها الملك ليس لك سبيل اذن الى إتخاذ الولد ولسوف أدبّر الأمر وأجعل من نطفتك ولداً لم يضمه رحم امرأة واُلازم أنا نفسي تدبير هذا الولد وأصرف اليه همتي وقوة فكري حتى تجتمع اجزاءه ويقبل الحياة ويصير إنساناً تاماً وسُمي الولد الذي جاء على هذه الصورة سلامان فجاؤوا له بشابة جميلة لم تبلغ الثامنة عشرة من سنها يقال لها أبسال، تولّت تربيته وفرح الملك فرحاً شديداً وبنى على أثر ذلك هرمين وفقاً لغرض الحكيم لايُخر بهما الماء ولاتحرقهما النار بل كونين حصينين منيعين لبقاء النفس.
أحبتنا المستمعين ثم أن الملك أراد أن يُفرق بين الصبي والمرأة فجزع الصبي لشدة شغفه بها فلما رأى الملك ذلك منه تركه الى حين البلوغ فإشتدت محبته للمرأة وقوى عشقه لها حتى كان في أكثر اوقاته يُفارق خدمة الملك لإصلاح أمرها فقال له الملك: أيها الولد الشفيق أت ولدي وليس لي في الدنيا غيرك فإعلم أن النساء هن مكايد الشر ومصائد البؤس، خالطهن ولكن لاتجعل لإمرأة في قلبك مكاناً حتى يصير عقلك مقهوراً ونور بصرك مغروراً فإمنع نفسك عن هذه الفاجرة إذ لاحاجة لك فيها وأنا اخطب لك جارية من العالم العلوي تُزف لك أبد الآبدين ولكن سلامان لم يُصغي لكلام الملك لشدة شغفه بأبسال فرجع الى بيته وحكى لها كل ما جرى له مع الملك فقالت له: لايقرعن سمعك قول الرجل فإنه يريد أن يُفوّت عنك اللذة بمواعيد أكثرها أباطيل وجلها وهم وتخييل وإني امرأة مأمورة لك بكل ماتطيب به نفسك إن كنت ذا عقل وحسم فإكشف للملك عن سرك بأنك لست تاركي ولستُ بتاركة لك. وبلغ الملك هذا الأمر فتأسّف تأسفاً شديداً على ولده ودعاه اليه وقال له إجعل حظك قسمين ففي أحدهما تشتغل بالإستفادة من الحكماء وفي الثاني تُعاشر أبسال فرضي سلامان بذلك ولكنه لم يف بوعده بل كان يصرف وقته كله في معاشرة أبسال واللعب معها فلما عرف الملك منه ذلك شاورالحكماء على ان يُهلك أبسال حتى يستريح منها فصرفه الحكيم عن هذا الرأي فإطلع سلامان على ماجرى بين الحكيم والملك وشاور أبسال في الحيلة فتقرر عزمهما على الهرب من وجه الملك الى ماوراء بحر المغرب.
المحاورة: مستمعينا الأكارم إنتظرونا في الحلقة القادمة حيث سنتعرف على المصير الذي سيكون في إنتظارالحبيبين سلامان وأبسال في تلك الأرض المجهولة القاصية وحيث سنكمل حوارنا مع خبير البرنامج حول هذه القصة الرمزية فحتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الألهية والى الملتقى.