ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات اخوتنا المستمعين الأفاضل في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا مرة اخرى عبر حلقة اخرى من برنامجكم الأسبوعي المتجدد ذخائر العبر ندعوكم الى المتابعة
المحاورة: خصصنا أيها الأحبة هذه الحلقة والحلقة المقبلة من البرنامج لإستعراض سِفر نفيس آخر من أسفار تراثنا الإسلامي ألا وهو التاريخ المسعودي المعروف بتاريخ البيهقي لمؤلفه أبي الفضل البيهقي والذي يتمتع بمكانة رفيعة ومتميزة بين الآثار التاريخية والأدبية الأخرى لأسباب سيوضحها لنا إن شاء الله مشكوراً خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته استاذ وأهلاً ومرحباً بك
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وعلى المستمعين الأحبة الكرام الذين تابعونا الى هذه النقطة من البرنامج وإن شاء الله سوف نتحدث في هذه الحلقة عن هذه الشخصية
المحاورة: نعم أستاذ نرجو منك أن تكشف لنا وللمستمعين الأفاضل كما تفضلت عن السباب التي أدت الى أن يتمتع كتاب تاريخ البيهقي بكل هذه القيمة بين الآثار التاريخية الأخرى، تفضل لو سمحت
الشحمان: في الحقيقة كتاب تاريخ البيهقي ويُعرف ايضاً بأسماء أخرى منها التاريخ المسعودي لأنه تحدث في الأجزاء المتبقية منه التي وصلتنا، ركّز حديثه عن حكم السلطان مسعود الغزنوي ولذلك عُرف بالتاريخ المسعودي وايضاً عُرف بأسماء اخرى ربما كانت أقدم من هذه التسمية مثلاً التاريخ الناصري او تاريخ آل ناصر او جامع التواريخ
المحاورة: هذه كلها أسماء هذا الكتاب؟
الشحمان: نعم، والجامع في تاريخ سبكتكين، كل هذه أسماء اُطلقت على هذا الكتاب وربما كان أسمه الأصلي هو التاريخ الناصري وعُرف فيما بعد كما يرى بعض الباحثين بتاريخ البيهقي لمؤلفه أبي الفضل البيهقي.
في الحقيقة هناك عدة شخصيات عُرفت بهذا الأسم ونُسبت الى مدينة بيهق التاريخية القديمة التي خرّجت الكثير من العلماء والشخصيات والأدباء في مقاطعة خراسان وربما تُعرف اليوم بمدينة سبزوار.
أبو الفضل البيهقي كان مؤرخاً من الدرجة الأولى واديباً في نفس الوقت، كان صاحب ديوان الإنشاء في زمان حكم الغزنويين لإيران وألّف هذا الكتاب لهم يعني للأسرة الغزنوية؛ أرّخ حكمهم والأحداث التي حدثت والأعمال التي قاموا بها بشكل مفصل وبشكل دقيق. عرض كل تلك الأحداث بكل تفاصيلها بطولها وبعرضها كما يُقال ومن هنا يكتسب هذا الكتاب أهميته لأنه يُزودنا بمعلومات فريدة من نوعها حول هذا العهد الذي مرّت به ايران في ذلك الوقت ولكن من الطريف أنه عندما نقرأ سيرة أبي الفضل البيهقي نرى في بعض المواضع من كتابه شكى من تعرضه للإضطهاد نظراً للطبيعة التي تميز بها الغزنويون؛ شكى من الإضطهاد طيلة عشرين عاماً قضاها في تأليف هذا الكتاب الكبير والعظيم والأطرف من ذلك أنه عندما فرغ من تأليف هذا الكتاب سُجن ربما لأنه إنتقد في بعض المواضع من كتابه على سبيل الإيهام وعلى سبيل التورية نقد بعض تصرفات هؤلاء الحكام فتعرّض للسجن بقية حياته. تاريخ البيهقي يقع في ثلاثين مُجلداً وللأسف الشديد لم يتبق من هذا الكتاب الرائع سوى الأجزاء من الجزء الخامس حتى الجزء التاسع وشيء من الجزء العاشر ولكن أحد مواطني ابي الفضل البيهقي وهو أبو الحسن البيهقي تكفّل في مهمة إكمال هذا الكتاب
المحاورة: يعني كتبه مرة أخرى؟
الشحمان: لا، أكمل الأجزاء التي لم تصلنا من الكتاب فهو الذي تولى فيما بعد العهد الذي عاش فيه ابو الفضل البيهقي. هذا الكتاب تميّز كما أشرنا الى ذلك بقيمة تاريخية وقيمة ادبية كبيرة؛ القيمة التاريخية من حيث أنها تقدم لنا معلومات دقيقة لأنه إتبع الأسلوب الوصفي او التوصيفي في عرض الأحداث وتميّز بأسلوبه الأدبي. أكثر الحكايات الشهيرة التي وصلتنا من ذلك العهد تضمنها كتاب تاريخ البيهقي ومنها الحكاية التي سوف تتحدثون عنها وهي حكاية الوزير حسنك وهي فضلاً عن قيمتها التاريخية تعتبر من روائع الأدب الروائع الفارسي في ذلك الوقت ربما حتى الان بالإضافة الى الكثير من القصص والحكايات كتبها البيهقي بأسلوبه الأدبي الدقيق جداً في عرض التفاصيل وفي وصف الشخصيات؛ وصف شخصية هذا الوزير بشكل دقيق ووصف ايضاً في المقابل شخصية الوزير الآخر الذي أوقع به وهو الزوزني وهو ايضاً بشكل دقيق يعني عرض لنا نموذجين نموذج الشر المطلق ونموذج الخير المطلق وإن شاء الله سوف نكمل حديثنا عن القصة نفسها في اللقاء القادم
المحاورة: طيب شكراً ضيفنا العزيز الدكتور سعد الشحمان على هذه الإجابة القيمة التي أسهمت في تعريف مستمعينا الكرام على هذا المصدر التاريخي الذي لاغنى للباحث عنه. نشكرك مرة اخرى ونستودعك الله حتى حلقة اخرى
الشحمان: إن شاء الله
المحاورة: والان أعزتنا المستمعين ندعوكم لمتابعتنا عبر أحداث قصة حسنك الوزير كما يرويها لنا أبو الفضل البيهقي
المحاورة: مستمعينا الأحبة في عهد السلطان محمود الغزنوي كان حسنك كاتباً يحظى بإحترام السلطان وإجلاله وكان يعتبره رجلاً صادقاً اميناً متقياً وورعاً فكان يستشيره في كل شؤون المملكة ولم يكن يسمح لأي أحد بأن ينتقد آراءه ولكن هذا القرب الذي كان يحظى به حسنك أثار حسد حاشية السلطان حتى أن مسعوداً إبن السلطان لم يكن هو ايضاً ينظر بعين الرضا اليه ولكنه كان يُخفي ذلك حتى بلغ الأمر به الى أن غادر البلاط متوجهاً الى بغداد وكان أبو سهل الزوزني نديم السلطان محمود وصاحب ديوانه على إطلاع ببعض علوم عصره إذ أنه كان يُكن الكثير من الحقد على الآخرين بل أنه كان يتلذذ برؤيتهم وهم يتعذبون فكان المُذنب والبرئ سواء عنده فإن عُقب البرئ قال: لابأس في ذلك سوف يعفو الله عنه في الآخرة. وكان يترصد اللحظات التي يغضب بها السلطان على الإنسان البرئ ليأمر بجلده وكان أبو سهل يستغل الفرصة ليبدأ وشايته وتأجيج غضب السلطان كي يقضي على ذلك الإنسان البرئ. وفي ذات يوم من أيام عهد وزارة الأمير حسنك عندما كان أبو سهل مرتدياً ملابسه الفاخرة وكان قد علّق على صدره الأوسمة ورافقه خدمه متوجهاً الى بلاط السلطان محمود وإذا بالحرس يمنعونه من الدخول رغم محاولاته واخيراً اضطر أبو سهل ومرافقوه أن يغادروا ساحة القصر ولم يشك الزوزني أن الأمر بمنعه لابد وأن يكون قد صدر من الوزير حسنك فتأججت نار الأحقاد في قلبه وقرر القضاء على هذا الوزير بأي ثمن ثم أن حسنك إستأذن السلطان في زيارة بيت الله وأداء فريضة الحج وبعد مدة قصيرة من إنطلاق حسنك والقافلة التي كانت معه بلغه أن السلطان قد إلتحق بالرفيق الأعلى على إثر مرض اُصيب به فيخلفه في الحكم إبنه السلطان محمد وكان اخو السلطان محمد في بغداد وما إن سمع بخبر وفاة والده حتى أعد جيشاً وإنطلق نحو ايران وقُدّر لمسعود أن ينتصر في هذه الحرب وأسر أخاه ثم أمر بسمد عينيه وجلس هو نفسه على مسند الحكم فإستغل أبو سهل هذه الفرصة وأخذ يتقرب من مسعود حتى أصبح في عداد الملازمين له وحدث كل ذلك وحسنك منشغل بأداء فريضة الحج دون أن يعلم بما حدث من تطورات في المملكة.
المحاورة: أعزاءنا المستمعين وبعد أن فرغ الوزير حسنك من أداء مناسك الحج قرر العودة الى ايران عن طريق مصر وكان الحكم آنذاك في مصر بيد القرامطة الذين كانوا يمثلون طائفة من الإسماعيليين إلا أن حسنك لم يكن يعلم عن ذلك شيئاً وفي عهد وزارته كانت حكومة ايران تطارد الإسماعيليين وكان السلطان محمود يعدم كل من قُبض عليه من القرامطة وكان حسنك يحظى في نيسابور ومنطقة خراسان بإجلال الناس وإحترامهم فكان يتوسط لكل قرماطي برئ يريد نظام الحكم شنقه ولم يكن يسمح بإراقة دم أي إنسان برئ وكان أبو سهل الزوزني على علم بذلك فأعلم السلطان محموداً الذي كان ببغداد بذلك فبعث الخليفة كتاباً الى محمود أمره فيه بإعدام الوزير حسنك ولكن محموداً إمتنع عن ذلك ودافع عن وزيره بشدة وأجاب الخليفة قائلاً: إن كان ولابد من إعدام الوزير وبذلك فقد فشلت مؤامرة الزوزني ولن تُفلح مساعيه من اجل الإيقاع بحسنك إلا ان هذا الشيطان ظل كامناً ينتظر الفرصة المناسبة للإنتقام وبعد مرور سنوات على ذلك بدأ الزوزني محاولاته مرة أخرى للإيقاع بالوزير فقال: إن هذا الرجل قرماطي كما قلت سابقاً وها هو الآن قد ذهب الى مصر وإستلم الخلعة من القرامطة ودعا أصحابه الى هذا المذهب فإنتشر الخبر من نيسابور الى بغداد وبعث الخليفة القادر بالله بكتاب الى بلاط مسعود وأصدر حكمه في هذه المرة قائلاً: يجب إعدام هذا القرماطي كي يكون عبرة للآخرين لأنه ذهب الى مصر وأجبر الحجاج على إعتناق المذهب القرماطي.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل سوف نتعرف على المتبقي من تفاصيل قصة حسنك الوزير من كتاب تاريخ البيهقي في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى لنرى ماذا سيحل بساحة هذا الوزير وهل سيُفلح اعداءه بالإيقاع به؟ إنتظرونا في الأسبوع القادم، الى اللقاء.