البث المباشر

أفضل الدين الخاقاني (2)

الأربعاء 26 يونيو 2019 - 15:52 بتوقيت طهران

ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم؛ مستمعينا الكرام على المحبة نلتقيكم مرة أخرى بعد أن اغترفنا لكم عبراً ودروساً جديدة من بحر تراثنا الأدبي الإسلامي نقدمها لحضراتكم آملين أن تحوز رضاكم وتمتعكم بأجمل الأوقات وأطيبها عبر برنامجكم ذخائر العبر.

 

المحاورة: مستمعينا الأفاضل نحن مع خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان الذي سيحدثنا في القسم الثاني من الموضوع الذي خصصناه لقصيدة الشاعر الإيراني الكبير أفضل الدين الخاقاني، السلام عليكم أستاذ واهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامج ذخائر العبر

 

الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم وبمستمعينا الكرام

 

المحاورة: أستاذ تحدثنا في الحلقة الماضية عن الشاعر الخاقاني عن حياته ومكانته وأسلوبه الشعري، نرجو منك أن تُعرج بحديثك في حلقة هذا الأسبوع على القصيدة نفسها وطبيعة العلاقة التي تربطها بقصيدة الشاعر العربي البحتري ومدى تأثره بها خاصة وأن الموضوع هو ذات الموضوع وهو وصف ايوان كسرى واستلهام الدروس والعبر منه، تفضل لو سمحت

 

الشحمان: لا شك في أن الخاقاني تأثر بحد كبير بقصيدة البحتري وعاش أجواءها خاصة وأن البحتري سبق الخاقاني في نظم قصيدته التي وصف من خلالها ايوان كسرى او قصر كسرى، بالمناسبة ايوان كسرى هو عبارة عن القصر الذي كان يقوم في مدينة المدائن في العراق بالقرب من بغداد وكان يعتبر مركزاً لحكم الحكام والملوك الساسانيين قبل الإسلام وقد وقف عند هذا القصر الكثير من الأدباء والشعراء بل بعض الشخصيات الدينية من مثل الإمام علي عليه السلام، طبعاً من باب الاستعبار او أخذ العبر والدروس مما جرى على الملوك السابقين. بعض الشعراء وقفوا عند هذا القصر وقفات قصيرة ليست كوقفة البحتري او الخاقاني اللذين نظما قصيدتين كاملتين في هذا المجال، نشير في هذا المجال الى عنترة بن شداد والى أبي نواس وابن المقفع وبعض الشعراء الإيرانيين من مثل الخيام بالإضافة الى الخاقاني الذي يدور حديثنا في هذه الحلقة حول قصيدته في رثاء هذا الصرح الكبير الذي تهدّم وتهاوى بفعل عوادي الزمن. القصيدتان، قصيدة البحتري وقصيدة الخاقاني تتشابه الأجواء بينهما الى حد كبير فهما عبارة عن تجربتين وجدانيتين مرّ بهما الشاعران وعكسا من خلالهما انفعالاتهما النفسية ولكن الفرق بين قصيدة البحتري وقصيدة الخاقاني أن البحتري كان يسكن الحجاز ثم رحل نحو هذا القصر بعد أن حدثت له بعض المشاكل التي أثارت فيه الهموم والأحزان فتوقف في طريقه عند هذا القصر المنيف وأنشد هذه القصيدة وخلط ومزج مشاعره مع المعاني التي أوردها في هذه القصيدة وأما بالنسبة الى الخاقاني فيقال إنه عندما عاد من سفره الى الحج، السفر الثاني له الى الحج توقف وهو عائد الى ايران عند هذا القصر وأثار منظر هذا القصر وخرائب هذا القصر مشاعره وأحاسيسه فأنشد هذه القصيدة الطويلة نسبياً في رثاء هذا القصر وفي رثاء الملوك الذين كانوا يعمرون هذا القصر بقوتهم وبجبروتهم وما آل اليه مصيرهم وهي قصيدة تعتبر في الحقيقة من الروائع الشعرية الفارسي ومن روائع الخاقاني بشكل خاص كما أن قصيدة البحتري تعتبر ايضاً من روائع البحتري بل هي من روائع الشعر العربي بشكل عام فهناك وجوه شبه ووجوه اختلاف بين القصيدتين من حيث الأسلوب ومن حيث المضامين، كما ذكرنا الأجواء النفسية التي تسيطر على القصيدة وتسيطر على الشاعرين عند نظم هذه القصيدة هي أجواء متشابهة وتعتبران من القصائد الوجدانية من الدرجة الأولى وأما الى وجوه الاختلاف فنشير طبعاً الى الاختلاف في الأسلوب، الشيء الذي يُميّز أسلوب الخاقاني بشكل نستطيع أن نلمسه بسهولة هو صعوبة وتعقيد أسلوب الخاقاني فالخاقاني كما نعلم وكما تحدثنا عن حياته كان مطّلعاً على النصوص الدينية وخاصة المصادر الإسلامية بل وحتى المصادر المسيحية حتى قيل إن والدة الخاقاني كانت على الديانة المسيحية وربما تأثر بالديانة المسيحية من هذا الجانب كما كان يمتلك معلومات كبيرة حول علمي الفلك والطب بالإضافة الى أسلوبه الخاص به، كل ذلك قدّم لنا الخاقاني قصيدة مليئة بالتشبيهات والاستعارات وخاصة صنعة الإيهام او ما يسمى بالتورية في الأدب العربي، شحن قصيدته بهذه التركيبات وبهذه الاستعارات والتشبيهات فجاءت صعبة الى حد كبير بالقياس الى قصيدة البحتري فنلاحظ أن قصيدة البحتري قصيدة واضحة المعاني وقصيدة تتميّز بالسلاسة. طبعاً عندما نقول إن التعقيد يسود قصيدة الخاقاني لانقصد أن قصيدة الخاقاني تعاني من العيوب في هذا المجال بل أن أسلوب الشاعر حتى في أشعاره الأخرى هي على هذا المنوال ولا يعتبر نقطة ضعف، ربما نستطيع أن نقول إن المتخصصين في الأدب وفي الشعر هم وحدهم الذين يستطيعون أن يفهموا بشكل كامل ويدركوا بشكل كامل المعاني التي وردت في قصيدة الخاقاني.

 

المحاورة: طيب، أستاذ عفواً على المداخلة والوقت يداهمنا ونشكرك على هذا الحضور في برنامج ذخائر العبر ونستودعك الله.

 

الشحمان: حياكم الله وحيا المستمعين الكرام

 

المحاورة: شكراً، والآن ندعوكم أعزتنا المستمعين لمرافقتنا في فقرة البرنامج التالية الى إكمال جولتنا في رحاب قصيدة الخاقاني آملين أن تستمتعوا بهذه الجولة.

 

مستمعينا الأحبة ويمضي الشاعر متسائلاً وقد ارتسمت على لهجته إمارات الدهشة وعقد لسانه هول المفاجأة، ترى هل خطر على بال أحد أن يهوي هذا القصر المنيف الذي كان يشق عنان السماء في يوم من الأيام؟ القصر الذي شهد مصارع حكام وملوك كانوا دون صاحب هذا القصر سطوة وبطشاً في إشارة من الشاعر الى حادثة البطش بملك الحيرة الملك النعمان الذي حدّثته نفسه أن يتمرد على إرادة ملك الملوك كسرى فكانت النتيجة أن قُتل شرّ قتلة وأن تبعثرت أشلاءه تحت أقدام الفيلة ومع ذلك فقد كانت النتيجة أن كان مصيرهما كلاهما في النهاية أعماق الثرى تاركين وراءهما مظاهر العز والترف والملك والسلطان نهباً لعوادي الزمن ومصداقاً لقوله تعالى: "كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{۲٥} وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ{۲٦} وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ{۲۷} كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ{۲۸} فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ{۲۹}" (سورة الدخان) صدق الله العلي العظيم.

 

بهذه الأبيات يُعزز الشاعر هذه الحقيقة فلنستمع معاً:

 

مَن تُرى طاح بإيوان المدائن

وهو مَن شال علواً للسماء

أتراه فلكاً مثل المطاحن

دار فيها أن ترى حكم القضاء

أيها الراكب فانزل راجلاً

وضع الخد على الأرض وسائل

كيف فيها الملك النعمان

ولّى تحت أقدام حشود الفيلة

فإذا بالأرض سكرى بدمٍ

بدل الخمر فأغفت ثملة

نزفت من روح مَن ولّى ومن

أصبحوا بعد علوٍ في الثرى

ولتُرتل قولَ رب العالمين

لتَنل من قوله برد اليقين

أو ما حسبك ما قد تركوا

لك جنات جرت فيها العيون

 

كل أولئك الذين سادوا كان مصيرهم الرحيل، الرحيل الى أعماق الأرض التي من رحمها وُلدوا ليكون هذا التراب خاتمة أمانيهم ورغباتهم وشهواتهم حيث استوى مصير هذا العبد الذليل والملك الجبار العنيد وهذه هي العبر والدروس التي طلع بها علينا الخاقاني من رحلته التأملية في أرجاء تلك الخرابة الناطقة بحتمية زوال كل ملك سوى ملك مَن له الأملاك. هكذا يقدم لنا الشاعر تلك الدروس والعبر.

 

ذهب الماضون ممّن حكموا

هذه الأرض وأهليها وسادوا

لا تسل عنهم ولا كيف قَضَوا

إنهم سادوا قليلاً ثم بادوا

إنهم في رحِم الأرض التي

حبلت فيهم ولكن للأبد

كم طوى هذا الثرى من جسد

لمليك أو لجبارٍ عنيد

وهو لم يشبع إلى الآن وما

زال يدعو دائماً، هل من مزيد؟

أيها الخاقاني لو تطلب عبرة

فالتمسها عند تلك العتَبة

علّ من شاء لديك المشورة

يلتقي عندك يوماً مطلَبه

يحمل العائدُ من أسفاره

لذويه عادة منه هدية

وأنا من سفري اخترت لكم

هذه الأشعار يا صَحبي هدية

 

وبذلك نصل أخوتنا المستمعين الى نهاية المطاف في تجوالنا في رحاب قصيدة الشاعر الإيراني أفضل الدين الخاقاني راجين أن نلتقيكم في حلقة الأسبوع المُقبل عند ذخيرة أخرى من ذخائر العبر، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة