البث المباشر

قصة سلامان وأبسال لعبد الرحمن الجامي

الأحد 30 يونيو 2019 - 09:39 بتوقيت طهران

ضيف البرنامج: الدكتور سعد الشحمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأحبة في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات. أحبائي في هذه الحلقة من برنامجكم ذخائر العبر التي ستشكل نهاية المطاف في هذا البرنامج ولكن من المؤكد أن برامجنا الأدبية لا يمكن أن يكون لمطافها نهاية فكل أمل على أن نُجدد اللقاء معكم عبر برامج أدبية اخرى بإذن الله تعالى. الآن ندعوكم اخوتنا المستمعين لمتابعة القسم الثاني في رحاب قصة سلامان وأبسال كما يرويها لنا الشاعر الإيراني الكبير عبد الرحمن الجامي

المحاورة: مستمعينا الأفاضل قبل أن نستكمل رواية ما تبقى من احداث القصة يسرنا ان نُجدد اللقاء مع ضيف البرنامج الدكتور سعد الشحمان، أهلاً بكم دكتور سعد نرحب بكم أجمل ترحيب

الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى مستمعينا الكرام في كل مكان عبر هذه البرامج الأدبية

المحاورة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الشحمان: نأمل إن شاء الله أن نلتقيهم في برامج أدبية اخرى من التراث الفارسي بعون الله تعالى

المحاورة: إن شاء الله، الدكتور سعد الشحمان نرجو من حضرتك أن تكملوا ما تفضلتم به في الحلقة الماضية حول قصة سلامان وأبسال ولكن حول انعكاساتها في الأدب الإيراني في هذا القسم ومما لا شك فيه أن هذه القصة لم تغب عن الأدب الفارسي فلقد تناولها بعض الأدباء الإيرانيين وعلى رأسهم الشاعر العارف عبد الرحمن الجامي. نرجو منكم تسليط الأضواء على هذا التناول في الأدب الإيراني.

الشحمان: في الحقيقة كما قلت في القسم السابق من الحديث، قلت إن القصص الرمزية كثيرة جداً في الأدبيات الفلسفية والعرفانية بل إن الأدب العرفاني بالخصوص يعتمد بالأساس على الرموز في التعبير عن مفاهيمه واتجاهاته، هناك الكثير من القصص الرمزية التي اكتسبت شهرة عالمية ودخلت تراث الكثير من أمم الأرض وشعوبها كما نلاحظ مثلاً بالنسبة الى قصة ليلى ومجنون

المحاورة: في الأدب العربي قيس وليلى

الشحمان: نعم التي دخلت الآداب العالمية من أوسع أبوابها ومن بين الآداب التي تأثرت بها الأدب الفارسي وايضاً قصة سلامان وأبسال التي تعتبر قصة حب جمع بين سلامان الفتى وبين أبسال التي كانت مُربية له جاء بها أبوه لتربيته ولكنه تعلّق بها؛ هذه القصة تعتبر من القصص الرمزية بالدرجة الأولى كما نلاحظ بالنسبة الى قصة حي بن يقظان وهذه القصة تناولها الكثير من الفلاسفة والأدباء والشعراء المسلمين سواء العرب منهم ام الإيرانيين. تناولوها حتى ظلت متداولة في القرن السابع الهجري وكل واحد منهم فسّرها حسب اتجاهه وحسب ذوقه وحسب مشربه؛ قسم منهم تناولوها من الناحية الفلسفية والقسم الآخر تناولها من حيث الدلالات العرفانية. من ضمن الأشخاص الذين تناولوا هذه القصة الفيلسوف الكبير أبن سينا الذي أوردها في كتابه المعروف التنبيهات والإشارات وخصص لها فصلاً مستقلاً وحاول تحليلها وفك رموزها من الناحيتين الفلسفية والعرفانية لأن ابن سينا كانت له اتجاهات فلسفية وعرفانية في نفس الوقت ومن بين العلماء والأدباء الآخرين الذين تناولوا هذه القصة بالشرح والتفسير المُفسّر المعروف الفخر الرازي وكذلك نصير الدين الطوسي الذي قام بشرحها شرحاً فلسفياً مستقلاً.

من بين الأدباء الذين طرحوا هذه القصة في أدبهم هو الشاعر الشهير ذو الاتجاهات الصوفية والعرفاني هو عبد الرحمن الجامي الذي نظمها شعراً يعني خصص لها منظومة كاملة من بدايتها الى نهايتها على أساس الرواية اليونانية التي تُرجمت الى العربية ومن العربية تُرجمت الى الفارسية وقام بتفسيرها بلغة الشعر ومحاولة فك رموزها بأسلوب يقرب من الأسلوب الذي اتبعه الخواجة نصير الدين الطوسي، هكذا نفذت هذه القصة في الأدب الفارسي الفلسفي والعرفاني وكما قلت هذه القصة لها بُعد عالمي ايضاً حتى أن بعض علماء الغرب تناولوا هذه القصة وحاولوا تفسيرها وفك رموزها ودلالاتها ومن بينهم عالم النفس المعروف غوستاف يونغ صاحب نظرية الشخصية وصاحب مدرسة التحليل النفسي التي ورثها من أستاذه سيغموند فرويد حيث يدل تناول هذا العالم لهذه القصة على التأثير العميق الذي مارسته الأديان والمذاهب العرفانية في الشرق وخاصة في الهند. من المُرجح أن هذه القصة لها جذور هندية كما يدل على ذلك اسمها او اسم بطلي هذه القصة وهما سلامان وأبسال؛ هذه كلمات لها جذور هندية وكما تعلمون تعتبر بلاد الهند مهد او من البلدان التي ترعرع فيها التصوف والعرفان في منطقة الشرق. هذه المعتقدات الشرقية وخاصة المعتقدات الهندية أثرت تأثيراً كبيراً على نظريات هذا العالم النفسي ونستطيع أن نقول إن أفكاره قامت على فكرة الواردات القلبية وفكرة الإشراق وهما فكرتان شرقيتان انطلقتا من بلاد المسلمين. بالنسبة الى الرموز في هذه القصة وكما تعلمون هذه القصة حافلة بالرموز ونفس القصة كوحدة كاملة هي عبارة عن رمز وعبارة عن رموز فلسفية ورموز عرفانية فالملك الذي نلاحظه في القصة الذي يُمثل والد سلامان يُمثل الشخصية الرئيسية فيها ونلاحظ أنه يرمز الى الإنسان الزاهد والعازف عن الدنيا، الإنسان الذي يريد الصلاح والخير ابنه ولكن هناك صفة سلبية في هذا الملك وأنه يُبالغ في زهده وفي تنسكه الى حد العزوف يعني الى حد أنه ينظر نظرة متشائمة وسوداء الى النساء وهو نفسه لم يكن متزوجاً فكان قبل أن يولد سلامان لم يكن يرغب أن تجمعه علاقة الزواج مع النساء فأوصى مشاوره أن يتولّد له ابن دون أن يقرب من النساء.

المحاورة: يعني هو تبنى سلامان؟

الشحمان: لا هو لن يتبنى وإنما بطريقة او أخرى وتعتبر رمز من رموز القصة يعني بطريقة او اخرى وُلد سلامان من غير أم ربما كانت طريقة معينة او طريقة شبيهة بطريقة أطفال الأنابيب يعني دون رحم

المحاورة: يعني هذه واحدة من رموز هذه القصة

الشحمان: نعم واحدة من رموز هذه القصة، مستشاره الشيخ الحكيم يُمثل المُنقذ والمعالج للمشكلة التي ظهرت فيما بعد وهي مشكلة تعلّق سلامان بمربيته او دايته أبسال. وسلامان هو رمز للإنسان الذي يُراد له أن يسير في طريق الزهد وطريق طاعة الله ولكنه ينحرف في البداية عن هذا الطريق ويستسلم لأهوائه وشهواته ولنزعاته النفسية وأما بالنسبة الى أبسال المُربية لسلامان فهي تُمثل في القصة رمز لقوة الإغواء من خلال استغلال قوة الجمال وهذه نظرة عامة للقصة ومحاولة لفك بعض الرموز المتواجدة في هذه القصة والقصة كما قلنا يونانية وتُرجمت الى العربية وتُرجمت الى اللغة الفارسية ومن يريد أن يطلع عليها بشكل مُفصل اكثر يمكنه أن يراجع الترجمتين.

المحاورة: نعم موجودة باللغتين العربية والفارسية

الشحمان: نعم وهي قصة معروفة ومشهورة، نرجو أن نكون قد وفينا الحديث حول هذه القصة بشكل مختصر ونأمل إن شاء الله أن نلتقيكم في برامج أخرى

المحاورة: إن شاء الله، نشكرك جزيل الشكر الدكتور سعد الشحمان على حضورك معنا في الأستوديو شكراً جزيلاً لك

الشحمان: حياكم الله ولا شكر على واجب

المحاورة: عفواً، أعزائي الكرام نحن نودع ضيفنا الكريم الدكتور سعد الشحمان ونقدم لكم جزيل شكرنا على حسن مرافقتكم لنا طيلة حلقات البرنامج آملين أن يوفقنا الله أن ننتفع من معلوماتكم وملاحظاتكم القيمة في برامج ادبية اخرى كما قال الدكتور بإذن الله تعالى. الآن ندعوكم اخوتنا المستمعين الأكارم لمتابعتنا فيما تبقى من أحداث قصة سلامان وأبسال اللذين تركناهما في الحلقة السابقة وقد هربا الى بلاد نائية، هربا من بطش والد سلامان فلنرى ماذا سيكون مصيرهما؟ تابعونا مشكورين

إخوتنا المستمعين يواصل الجامي أحداث القصة فيقول بلغته الشعرية التي ترجمناها لكم نثراً: وكان عند الملك قصبتان من ذهب عليهما سبع صفارات يصفر بها لكل إقليم فيطلع على ما يريده منها فنفخ الملك في القصبة فاطلع على سلامان وأبسال فوجدهما على أسوء حال، فرقّ لهما وأمر لكل منهما ما يكفيه وقال في نفسه لعل الصبي يعود الى الحق فلما مضى على ذلك مدة من الزمان غضب الملك عليهما فأبطل لذتهما بعلوم كان يعرفها فبقي كل منهما في أشد ألم من رؤية صاحبه وشدة التوق عليه وعدم الوصول اليه. فعاد سلامان وجاء الى باب الملك مُعتذراً مُستغفراً فقال له أبوه: إن سرير المُلك يريد التوجه التام وأبسال أيضاً تريد ذلك وكلاهما لا يجتمعان ولا يُمكنك أن تصعد السرير وأبسال مُعلقة برجليك وكذلك لا يمكنك أن تصعد سرير الأفلاك وحب أبسال مُعلق برجلي فكرك. ثم أن الملك امر أن يُعلق أحدهما بالآخر فبقيا كذلك يومين فلما كان الليل أنزلهما فمضى كل واحد منهما وأخذ بيد صاحبه وألقيا بنفسيهما في البحر فخلّص الملك سلامان بعد أن أشرف على الهلاك وغرقت أبسال. فلما تحقق سلامان أن أبسال قد غرقت كاد أن يُشرف على الموت لشدة فراقها، ففزع الملك الى الحكيم في أمره فدعاه الحكيم اليه وقال: يا سلامان هل تريد وصال أبسال؟ فقال: وكيف لا أريد ذلك وهذا هو الذي شوّش عليّ أمري؟ فقال له الحكيم: إني أوصل اليك أبسال بثلاثة شروط؛ الأول أن لا تُخفي عني شيئاً من أمرك والثاني أن تقلدني في كل ما أفعل والثالث أن لا تعشق غير أبسال مدة عمرك. فأطاعه في ذلك فكان الحكيم يحضر إليه صورة أبسال تُجالسه وتتلطّف معه في الكلام حتى ألفها فأراه بعد ذلك صورة الزهرة وهي صورة فائقة على كل حسن وجمال فشغف سلامان بهه الصورة الجديدة شغفاً عظيماً أنساه حب أبسال فقال: أيها الحكيم لست أريد أبسال وقد رأيت منها ما كرّهني صحبتها ولا أريد إلّا هذه الصورة. فسخّر له الحكيم صورة الزهرة حتى كانت تأتيه في كل وقت ولم يزل كذلك حتى زال عن قلبه حبها وسهى عقله وصفا من كدورة المحبة. فشكر الملك الحكيم في إصلاح امر ولده وجلس سلامان على سرير المُلك ونظر في الحكمة وصار صاحب دعوة عظيمة وأمر أن تُكتب قصته هذه على سبعة ألواح من ذهب وأن تُحفظ في الهرمين ولما ظهر أفلاطون الإلهي بعد طوفان الماء والنار اطلع على ما في الهرمين من العلوم الجليلة والذخائر النفيسة. فسافر اليهما لكنه لم يتمكن من فتحهما فأوصى بذلك الى تلميذه أرسطو فلما توجه الإسكندر الى جهة الغرب، توجه أرسطو معه الى أن بلغ الهرمين ففتح بابهما بالطريقة التي أوصى بها أفلاطون وأخرج منهما الألواح التي كُتبت عليها هذه القصة.

وهكذا أخوتنا المستمعين نبلغ بكم نهاية برنامجكم ذخائر العبر ونحن نشعر بالامتنان لكم لحسن متابعتكم لنا طيلة حلقاته، هذه المتابعة التي كانت وماتزال خير دافع لنا للتواصل معكم عبر هذه البرامج على أمل أن نلتقيكم عند برامج أدبية أخرى نتمنى لكم أجمل الأوقات وأطيبها وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب والفن في إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، إلى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة